ساو باولو: عندما خسر زوج بريسيليا توماس دا سيلفا وظيفته في تحميل وتفريغ الشاحنات بسبب تدابير الإغلاق الناجمة عن كوفيد-19 في ساو باولو، وجدا نفسيهما أمام خيار صعب، فإما دفع إيجار المنزل أو إطعام أطفالهما الستة.

وعلى إثر ذلك، اضطرا لبناء كوخ في حي عشوائي (أو ما يطلق عليه محليا "فافيلا") على الأطراف الشمالية للمدينة، تحوّل إلى رمز للدمار الذي يلحقه وباء كوفيد-19 بالبرازيل.

وبدأ حي جارديم جولييتا العشوائي يكبر ضمن موقف سيارات مخصص للشاحنات الصغيرة. وقبل نحو أربعة شهور، بدأ حشد من المشرّدين حديثا تحويله إلى حي عشوائي "فافيلا" بشكل كامل، في وقت تسبب كوفيد-19 بعواقب كارثية في البرازيل، ثاني بلد في العالم لجهة التضرر بالوباء بعد الولايات المتحدة.

وباتت نحو 700 عائلة تعيش حاليا في الحي. ويبدو أن المزيد يصلون يوميا، حاملين أثاثهم على رؤوسهم عبر الأزقة غير المرصّوفة على وقع صدى أعمال الحفر لبناء أكواخ جديدة.

وما زال العديد من المنازل يفتقد إلى المراحيض بينما استخدمت ستائر بلاستيكية كأسقف.

ويتسم الحي بالاكتظاظ بينما تشكّل النظافة الصحية تحديا في ظل غياب كامل نظريا للتباعد الاجتماعي، ما يسلّط الأضواء على قابلية الأحياء العشوائية العالية للتأثر بالفيروس.

لكن السكان يحاولون جاهدين تحويل المكان إلى حيّهم الرسمي.

وداخل كوخ مصنوع من خليط من مخلّفات الأخشاب حيث صنعت الأسرّة كذلك من ألواح خشبية، تحمل دا سيلفا (35 عاما) ابنها الرضيع وتروي كيف وجدت عائلتها المكونة من ثمانية أفراد نفسها غير قادرة على تحمّل تكاليف إيجار المنزل البالغة 500 ريال (نحو مئة دولار) في الشهر.

دا سيلفا وابنها الرضيع في منزلهما في حي جارديم جولييتا
العشوائي على أطراف ساو باولو. 15 يوليو 2020.

تهديد بالقتل
ويلقي الوباء بثقله اقتصاديا على ولاية ساو باولو، بؤرة تفشي الفيروس في البرازيل وحيث سجّلت نحو ربع وفيات البلاد البالغة 91 ألفا.

وخسر العديد من الأشخاص الذين يعملون في وظائف غير رسمية كالعمال المياومين ومدبري المنازل ومربيات الأطفال -- الذين يشكّلون نحو 40 في المئة من القوة العاملة في أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية -- كل مصادر دخلهم نظريا عندما منعتهم تدابير الحجر الصحي من العمل.

وعلّق العديد من الدول عمليات إجلاء السكان في هذه الحالات. لكن رئيس البرازيل اليميني المتشدد جاير بولسونارو استخدم حق النقض ضد مشروع قانون مماثل في يونيو.

لكن في حي جارديم جولييتا العشوائي، روى الكثير من السكان كيف وجدوا أنفسهم دون خيارات.

وخسرت جويس بينتو (27 عاما) وظيفتها غير الرسمية في متجر للطباعة عندما فرضت تدابير الإغلاق، ما تركها غير قادرة على تدبير مربية لابنتها البالغة عامين. وقالت "كان علي البقاء معها في المنزل وكافحنا لنسدد ثمن الإيجار". وقال زوجها العامل المياوم الذي انتهى به الحال دون وظيفة غيلمار شافيز (29 عاما) "بدأ مالك المنزل بتهديدنا". وقالت بينتو التي بدا الخوف في عينيها "كان سيقتله (شافيز) وابنتي". لذلك، اضطر الزوجان للاستدانة من والدة بينتو لشراء الخشب وبناء الكوخ.


غيلمار شافيز (يسار) وزوجته جويس بينتو وابنتهما في كوخ شيداه في حي
جارديم جولييتا العشوائي على أطراف ساو باولو. 15 يوليو 2020

حلقة مفرغ
منذ بدأ تفشي الوباء، اجتاح المشردون حديثا كذلك مبنى مهجورا وسط ساو باولو. ويشير منسق السياسات الحضرية في مجموعة "مرصد الفافيلا" الناشطة للأبحاث لينو تيكسييرا إلى إن الأوبئة لطالما دفعت بفقراء البرازيل إلى الأحياء العشوائية وغيرها من المستوطنات غير الرسمية عبر التاريخ. وقال إن "إقامة الأحياء العشوائية، منذ بداياتها، مرتبطة بسلسلة أوبئة حضرية، انطلاقا من الحمى الصفراء وصولا إلى الإنفلونزا الإسبانية والجدري والحصبة".

وعادة ما يتم نقل الفقراء بعد ذلك من الأماكن التي انتقلوا إليها. ولم يكن 2020 استثناء.

وقالت تاليتا غونزاليس الباحثة في "مرصد الإخلاء"، وهي مجموعة حقوقية تعنى بملف الإسكان، "شهدنا حلقة مفرغة حيث... يجبر الناس على ترك منازلهم جرّاء عدم قدرتهم على دفع الإيجار ويحتلون أرضا في مكان آخر... وسرعان ما يتم إجلاؤهم مجددا".

وفي ساو باولو، التي تعد كبرى مدن أميركا الجنوبية، هناك أكثر من 2500 عائلة تم إجلاؤها أو تواجه خطر الإجلاء خلال الوباء، وإن كان المسؤولون يحضون الناس على التزام منازلهم، بحسب المجموعة.

وأصدرت السلطات إنذارات لسكان حي جارديم جولييتا بإخلائه وأمهلتهم حتى السابع من أغسطس.

ويقول الكثير من السكان إن لا مكان آخر يمكنهم التوجه إليه. وأفادت لوسيين دوس سانتوس (42 عاما)، وهي مساعدة مصففة شعر عاطلة عن العمل، "على الأقل هناك سقف فوق رؤوسنا". وأضافت "إذا لم يكن بإمكاننا البقاء، فأين سنذهب؟ سنعيش تحت جسر ما على غرار كثيرين غيرنا".