طهران: تراقب إيران عن كثب التطورات في لبنان حيث تتمتع، من خلال حزب الله، بنفوذ حققته بصعوبة، وذلك بعد الانفجار الضخم الذي هز بيروت وزاد من الأصوات الغاضبة المطالبة بإصلاحات في نظام سياسي قائم على توازنات هشة.

بعد أسبوع على انفجار مواد كيميائية تسبب بدمار واسع في أجزاء كبيرة من العاصمة اللبنانية، لا يزال البلد الاستراتيجي في شرق المتوسط يحاول الخروج من الصدمة.

ونزل اللبنانيون إلى الشارع في أعقاب الكارثة التي أدت إلى مقتل 160 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من ستة آلاف، في تظاهرات طالبوا فيها بتعليق المشانق وبإصلاحات جذرية.

مساء الإثنين، أعلن رئيس الوزراء حسان دياب استقالة حكومته ما ينذر بمزيد من الاضطرابات.

في الشارع، هتف متظاهرون بشعارات منددة بحزب الله المدعوم من إيران، ما أسقط نوعا من المحظور في لبنان، فيما تعبّر الغالبية عن الغضب إزاء الطبقة السياسية بكاملها، محملين إياها مسؤولية فاجعة الرابع منأغس طس بسبب فسادها وعدم كفاءتها وإهمالها.

في طهران، تجمّع طلاب أعضاء في ميليشيا الباسيج أمام السفارة اللبنانية حيث أضاؤوا شموعا ولوحوا بأعلام لبنانية وأعلام حزب الله.

ونشر عدد كبير من الإيرانيين على مواقع التواصل الاجتماعي صور مرفأ بيروت المدمر مرفقة بقصائد عن المدينة للكاتب السوري نزار قباني الذي يحظى شعبية كبيرة في الجمهورية الإسلامية.

وفي لفتة تضامنية أخرى، أُضيء "برج أزادي"، رمز العاصمة الإيرانية، بألوان العلم اللبناني.

بعد يوم على الانفجار، حث المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي اللبنانيين على التحلي "بالصبر". وأكد أن إيران ستدعم لبنان في هذه "المأساة الأليمة".

إشعال الفتيل

وعبّر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بدوره عن دعم بلاده للشعب "المقاوم" في لبنان بعد الانفجار الضخم.

وكتب ظريف على "تويتر"، "أفكارنا وصلواتنا مع شعب لبنان الكبير والمقاوم".

وأضاف "كما دائما، إيران مستعدة تماما لتقديم المساعدة بكل السبل الضرورية"، داعيا لبنان الى "البقاء قويا".

وتدعم إيران حزب الله اللبناني الذي يعتبر القوة السياسية الأقوى في لبنان، البلد الصغير القائم على نظام هش من المحاصصة السياسية والطائفية، ما ينعكس سلبا على آلية اتخاذ القرارات وسير المؤسسات.

عندما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إصلاحات كبيرة في لبنان خلال زيارته أخيرا الى بيروت بعد وقوع الانفجار، قوبل بانتقادات في الجمهورية الإسلامية.

وقال الطالب في طهران علي إسماعيل زاده "أعتقد أن آراء السيد ماكرون هي تدخّل، رغم أن الخلفية التاريخية للعلاقات بين لبنان وفرنسا يجب أن تؤخذ بالاعتبار".

وقال لوكالة فرانس برس في إشارة إلى التظاهرات التي تخللتها أعمال عنف في بيروت بعد الانفجار "أعتقد أن تلك الكلمات ستشعل فتيل نار الاضطرابات في البلاد".

واتهمت صحيفة "كيهان" المتشددة ماكرون بالسعي "لإضعاف المقاومة اللبنانية".

ووصفت الصحيفة المؤتمر الذي عقد الأحد برعاية فرنسية وتعهدت فيه جهات مانحة بتقديم حوالى 300 مليون دولار للبنان، ب"الخدعة".

ولم تشارك إيران في المؤتمر، لكن طهران قالت الإثنين إنها أرسلت 95 طنا من اللوازم الطبية إلى لبنان، وستواصل إرسال المزيد من المساعدات الإنسانية.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية عباس موسوي في إشارة إلى الولايات المتحدة "إذا كانوا صادقين، يتعين عليهم رفع العقوبات عن الحكومة اللبنانية والشعب".

وتفرض الولايات المتحدة عقوبات على حزب الله الذي تعتبره "منظمة إرهابية".

معقد بالنسبة لإيران

ويرى رئيس تحرير صحيفة "كيهان" حسين شريعتمداري أن "التغييرات التي طالب بها ماكرون" تعني "القضاء على حزب الله" و"إنقاذ الكيان؟ الإسرائيلي"، عدو إيران اللدود في المنطقة.

وقال شريعتمداري لوكالة فرانس برس في اتصال هاتفي "باسم إسرائيل، وجه ماكرون رسالة للشعب اللبناني بأنهم إذا استمروا في المقاومة وفي دعم حزب الله، سيواجهون حدثا كارثيا من هذا النوع".

وعبّر محللون عن شكوك إزاء قدرة إيران على تقديم دعم مادي كبير للبنان، بسبب المصاعب الاقتصادية التي تواجهها.

وترزح إيران تحت عقوبات اقتصادية منذ انسحاب الولايات المتحدة بشكل أحادي من الاتفاق حول ملفها النووي في 2018 وإعادتها فرض عقوبات مشددة على الجمهورية الإسلامية.

ومنذ فبراير، تكافح إيران أيضا أسوأ تفش في الشرق الأوسط لفيروس كورونا المستجد تقول الحكومة إنه أودى بأكثر من 18 ألفا و600 شخص وأصاب قرابة 329 ألفا.

ويقول الصحافي أحمد زيد أبادي "في مثل هذا الوضع، أيدي إيران مكبلة، وغير قادرة على القيام بالكثير".

ويضيف لفرانس برس "لو كانت لطهران القدرة المالية، لفعلت كما فعلت خلال حرب 2006 (بين إسرائيل وحزب الله) عندما عوضت عن خسائر جسيمة وقعت آنذاك".

لكن في ذلك الوقت، كانت حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد "تملك الكثير من المال من خلال بيع النفط بأسعار مرتفعة".

ويقول زيد أبادي أنه في الوقت الحالي، من الأفضل لإيران العمل مع دول أوروبية تنسّق جهود إعادة البناء.

ويضيف "هذا يتطلب تغييرا في سلوك الجمهورية الإسلامية ورؤيتها للمواقف الإقليمية... الوضع ككل معقد جدا بالنسبة لإيران".