ايلاف من نواكشوط: اعلن اليوم في نواكشوط أن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز خضع لإستجواب مساء الاثنين من طرف شرطة مكافحة الجرئم الاقتصادية والمالية، في إطار بحث ابتدائي، بناء على نتائج تحقيق برلماني حول شبهات فساد جرت خلال عقد من حكمه، حسب ما ذكرت النيابة العامة الموريتانية.

وقالت النيابة العامة، اليوم، في بيان صحفي، إن "المشتبه به حضر بنفسه، وتم إبلاغه بجميع حقوقه القانونية، بما في ذلك إخبار أسرته بوضعه القانوني وتمكينها من حق زيارته"، مشيرة إلى أن استجواب الرئيس السابق يأتي وفق "إجراءات بحث ابتدائي عادية، تجري طبقاً لمقتضيات قانون الإجراءات الجنائية، وقانون مكافحة الفساد".

وعبرت النيابة العامة عن استغرابها من محاولة قيام البعض بالتأثير السلبي على الإجراءات، وذلك في إشارة إلى بعض السياسيين الداعمين للرئيس السابق ولد عيد العزيز، الذين أصدروا بياناً يصفون فيه ما جرى بأنه تصفية حسابات سياسية".

وأوضح البيان أن الاستجواب خضع له العديد من المسؤولين المذكورين في الملف، بمن فيهم وزراء ومسؤولين سابقين.

تجدر الاشارة الى أن هذه هي المرة الاولى التي يتم فيها التحقيق مع رئيس موريتاني سابق، حول تهم تتعلق بالفساد، وهو التحقيق الذي يشمل عدداً من الوزراء الذين عملوا معه خلال سنوات حكمه، بالإضافة إلى أفراد من أسرته وبعض رجال الأعمال المقربين منه.

وقال البيان إن جميع الحقوق المقررة في القوانين للمشتبه بهم تم تمكينهم منها على قدم المساواة، ودون تمييز، بما فيها حق اللقاء مع المحامين في ظروف تكفل سرية اللقاء وتضمن حق الدفاع". وأوضح البيان أن "كل الإجراءات المتخذة في البحث الجاري جرت وفق القوانين المعمول بها، وتمت بانسيابية وفي ظروف عادية".

هيئة الدفاع : احتجاز خارج القانون

وأعلنت هيئة الدفاع عن الرئيس السابق في مؤتمر صحفي عقدته الليلة الماضية أن ولد عبد العزيز تعرض لاحتجاز خارج القانون، وأنه ممنوع من الحصول على حقه في الدفاع.

بيد أن النيابة العامة أشارت إلى أن "حق المحامي في مؤازرة موكليه أمام الضابطة القضائية لا تعني بالضرورة الاشتراك في عمليات البحث التي يقوم بها ضباط الشرطة القضائية، طبقاً لقانون الإجراءات الجنائية". وأضافت أن "المادة 55 من قانون الإجراءات الجنائية لا تحدد آجالاً معينة لاستدعاء ضابط الشرطة القضائية للأشخاص الذين يود الاستماع لهم".

ولد عبد العزيز:اختصاص محكمة العدل العليا

في غضون ذلك، رفض ولد عبد العزيز الإجابة على أسئلة المحققين، رغم مرور أربع وعشرين ساعة على وجوده في قبضة الأمن الموريتاني، وخاصة الأسئلة المتعلقة بـ "الملف الأمني"، وفق ما أكدت مصادر قريبة من التحقيق لموقع "صحراء ميديا" الموريتاني.

وقالت المصادر ذاتها إن ولد عبد العزيز عندما وصل إلى إدارة الأمن الوطني، مساء الاثنين، احتج على استجوابه من طرف الشرطة، وقال إن ذلك من اختصاص محكمة العدل العليا وحدها، بصفته رئيساً سابقاً للجمهورية.

وبعد ساعتين من الأخذ والرد، وافق الرئيس السابق على التعاون مع المحققين والرد على أسئلتهم، لكنه عاد إلى الصمت بعد أن فتح المحققون معه ملفاً أمنياً حساساً، فأصر على أنه لن يتحدث إلا بحضور محاميه، وهو ما عرقل سير الاستجواب الليلة الماضيةً.

وأكدت المصادر، يضيف الموقع الموريتاني، أن المحققين سمحوا لاثنين من فريق الدفاع عن الرئيس السابق بلقائه، وبحضور التحقيق الابتدائي معه، ولكنه تمسك بموقفه الرافض للإجابة على أسئلة المحققين، وقال لهم إنه لن يتحدث ولن يرد على أسئلتهم حتى ولو جلبوا له كل المحامين في العالم.

إصرار على الصمت

وأمام إصرار الرئيس السابق على الصمت، من المنتظر أن يلجأ المحققون إلى مواجهته بالأدلة التي بحوزتهم، سواء تلك المتعلقة بالجرائم الاقتصادية والمالية التي يشتبه في تورطه فيها، أو "الملف الأمني الحساس" الذي لم تتسرب عنه أي معلومات.

كما سيلجأ المحققون إلى مواجهة الرئيس السابق بمن وصفتهم المصادر بأنهم كانوا "شركاؤه" في الشبهات التي تلاحقه، وهم في أغلبهم وزراء ومسؤولون سابقون، بالإضافة إلى بعض المقربين منه والمحسوبين عليه، وفق تعبير مصدر قريب من التحقيق.

وذكرت المصادر ذاتها أن إدارة الأمن الوطني سمحت لأفراد من عائلة الرئيس السابق بلقائه، وجلبوا له أدويته مع بعض الوجبات.

في غضون ذلك، التقى وزير الخارجية الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد بعدد من السفراء الغربيين، وشرح لهم التطورات الأخيرة المتعلقة باستجواب الرئيس السابق، وأبلغهم بأن "موريتانيا اتخذت الإجراءات اللازمة لضمان الحقوق الكاملة للرئيس السابق بما فيها لقاء عائلته ومحاميه". فيما أصدرت النيابة العامة بياناً أعلنت فيه أن إجراءات الاستدعاء والاستجواب تمت وفق القوانين المعمول بها مع ضمان جميع الحقوق التي يكفلها القانون للرئيس السابق وجميع المشمولين في الملف.

أرقام وكشوفات حسابات 76 شخصية

في سياق ذلك، تسربت، اليوم الثلاثاء، رسالة وجهها المحققون إلى البنوك الموريتانية تطلب أرقام وكشوفات حسابات 76 شخصية موريتانية من المشمولين بالتحقيق، أغلبهم وزراء سابقين وأفراداً من المحيط العائلي للرئيس السابق.

وأفادت مصادر عديدة أن العديد من الوزراء السابقين المشمولين في التحقيق تم استدعاءهم للمثول غدا أمام المحققين، في انتظار مواجهتهم المباشرة مع الرئيس السابق. وأغلقت وحدات من الشرطة الموريتانية، زوال اليوم الثلاثاء، الشوارع المؤدية إلى منزل الرئيس السابق، وذلك بعد تجمهر مجموعة من أنصاره وأقاربه ، مطالبين بالإفراج الفوري عنه.

دعوة أنصاره الى احترام النظام والقانون

ونشر نجل الرئيس السابق بدر ولد عبد العزيز، على حائطه في " فيسبوك" منشوراً يدعو فيه من وصفهم بأنهم "مناصرينا وأصدقائنا" إلى البقاء في منازلهم واحترام الدولة والنظام والقانون. كما طلب نجل الرئيس السابق من الأمن "إخلاء الشوارع المحيطة بمنزلنا من المتجمهرين"، مشيراً إلى وجود "مندسين" من أجل "الشيطنة والتحريض"، على حد وصفه.

يذكر ان الرئيس الحالي ولد الشيخ الغزواني الرئيس السابق ولد عبد العزيز في انتخابات رئاسية جرت في يونيو 2019، أدت الى أول تناوب سلمي على السلطة بين رئيسين منتخبين في تاريخ البلاد.

ورغم أن الغزواني وولد عبد عبد العزيز جمعهما مسار عسكري وسياسي مشترك طويل، إلا أن خلافاً نشب بينهما جراء إصرار ولد عبد العزيز على مواصلة الحضور في المشهد السياسي الموريتاني، والتحكم في الحزب الحاكم "الاتحاد من أجل الجمهورية"، وهو ما رفضه الرئيس الجديد.

يذكر انه في بداية العام الجاري اقترحت أحزاب معارضة في البرلمان، تشكيل لجنة تحقيق برلمانية للنظر في شبهات فساد جرت خلال حكم ولد عبد العزيز، وجرى تشكيل اللجنة بالتنسيق بين المعارضة والغالبية، عملت طيلة ستة أشهر، وأصدرت تقريراً كشف عمليات فساد واسعة أحيلت ملفاتها الى القضاء لاجراء تحقيق بشأنها نهاية يوليو الماضي.

واستمع المحققون في الآونة الأخيرة لعدد كبير من الوزراء والمسؤولين السابقين، ومنعوا من السفر.

وكانت الحكومة الموريتانية قد استقالت بسبب التحقيق البرلماني الذي وردت فيه أسماء عدد من الوزراء.