القدس: من المتوقع أن يجني اقتصادا الإمارات وإسرائيل المتضرران من الإجراءات المرتبطة بفيروس كورونا المستجد، فوائد كبرى فور توقيع اتفاق تطبيع العلاقات الذي يمنح الدولة العبرية منفذا غير مسبوق إلى الخليج الثري.

ومن مبيعات النفط إلى السياحة والتعاون في مجال التكنولوجيا، يجمع الاتفاق الذي سيتم توقيعه في الأسابيع المقبلة بين اثنين من أكثر الاقتصادات تنوعا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وقت تسعى الدولتان الى تعزيز حضورهما في التجارة الإقليمية والدولية.

والإمارات، الغنية بالنفط وذات الطموحات الكبيرة في مجالي الفضاء والتكنولوجيا، هي أول دولة خليجية وثالث دولة عربية تطبّع العلاقات مع إسرائيل، في خطوة أدانها الفلسطينيون باعتبارها "خيانة" لقضيتهم.

في إطار الاتفاق التاريخي، تعهدت إسرائيل بتعليق ضم مزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من أن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو قال إن هذا الخيار سيبقى مطروحا على الطاولة.

وبصرف النظر عن التداعيات الدبلوماسية، تقول إلين آر والد الباحثة في مركز الطاقة العالمي التابع لمعهد "المجلس الأطلسي" إنّ الإمارات وإسرائيل "ستستفيدان من هذه العلاقة الجديدة بشكل كبير" على المستوى الاقتصادي.

وستكون الإمارات أول دولة خليجية قادرة على ممارسة الأعمال التجارية بشكل علني مع إسرائيل التي بدورها ستتمكّن من الدخول إلى إماراتي دبي وأبوظبي، اللتين تجذبان المواهب والاستثمارات العالمية.

وفي حين أن تركيز إسرائيل قد يتمحور بشكل أساسي حول الثروة النفطية للدولة الخليجية، فإن الإمارات تبدو مستعدة للاستثمار بشكل كبير في قطاعي السياحة والتكنولوجيا في الدولة العبرية.

من النفط إلى السياحة

تستند الاستراتيجيات الاقتصادية المشتركة للإمارات وإسرائيل بشكل أساسي إلى قطاعات الخدمات والتكنولوجيا المتقدمة والابتكار، لكن كلا الاقتصادين تعرضا لضربات مؤلمة خلال مرحلة تفشي فيروس كورونا المستجد.

وكانت دبي التي تملك الاقتصاد الأكثر تنوعا في المنطقة، شاهدة على انكماش في إجمالي الناتج المحلي في الربع الأول من عام 2020 بنسبة 3,5 في المئة بعد عامين من النمو المتواضع.

واضطرّت شركة "طيران الإمارات" التي تتخذ من دبي مقرا لها وتعتبر الأكبر في الشرق الأوسط، إلى تقليص شبكتها وتسريح آلاف الموظفين.

وفي إسرائيل، يواجه الاقتصاد "ركودا حادا" حيث من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6,2 بالمئة هذا العام وفقا لأرقام رسمية، بينما قفزت البطالة من 3,4 بالمئة في فبراير إلى 23,5 بالمئة في مايو.

وأظهر استطلاع للرأي في مايو أن حوالي 65 في المئة من الشركات الإسرائيلية الصغيرة الناشئة في مجال التكنولوجيا الفائقة تتوقع توقف أعمالها في الأشهر الستة المقبلة.

ويمثل قطاع التكنولوجيا الفائقة 10 بالمئة من مجموع الوظائف في إسرائيل.

لكن الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل يمكن أن يساعد في قلب الأمور.

وأوضحت والد: "ستستفيد إسرائيل كثيرا إذا تمكنت من شراء النفط الإماراتي، وستستفيد الإمارات إذ سيصبح بإمكانها البيع لزبون متعطش".

وتابعت: "الإمارات تتطلع للاستفادة من السياحة الإسرائيلية وأن تصبح موقع اتصال للرحلات الإسرائيلية بينما تجني إسرائيل ثمار تدفق الاستثمار واستقطاب الطلاب الإماراتيين".

ولطالما كانت السياحة شريان الحياة لدبي. وقد استقبلت الإمارة أكثر من 16,7 مليون زائر العام الماضي. وقبل أن يعطل الفيروس حركة السفر العالمية، كان الهدف هو الوصول إلى 20 مليون زائر في عام 2020.

ووفقا لمجلة "فوربس"، سافر ما يقرب من نصف الإسرائيليين (حوالي 9 ملايين) إلى الخارج في عام 2017.

وفي مدينة حيفا الساحلية المختلطة شمال إسرائيل، بدأ مكتب "ميراج تورز" بالترويج لرحلات إلى دبي واضعا صورة المدينة الثرية وكتبا بالإنجليزية "دبي قريبا".

يقول صاحب مكتب السياحة جورج محيشيم لمراسل فرانس برس في المدينة "الإمارات دولة جاذبة للسياحة، فالفنادق وصورها المنشورة جعلت الناس يقبلون عليها".

ويضيف، "تصلني اتصالات كثيرة من العرب واليهود، إقبال اليهود كبير ويطلبون مني تسجيلهم في أول رحلة".

وتشارك مها حنا الموظفة في المكتب في الحديث مضيفة "دبي حلم وبات واقع".

اكتساب الخبرة

وأفادت القناة 12 الإسرائيلية الأحد أن وزارة الاقتصاد قدرت أن الصادرات إلى الإمارات يمكن أن تصل إلى ما بين 300 و 500 مليون دولار سنويا. ومن المتوقع أن تصل استثمارات الإمارات في إسرائيل إلى 350 مليون دولار سنويا.

وذكرت القناة أنّ المجالات التي من المتوقع أن تحقّق أكبر المكاسب هي الصناعات الإلكترونية والمعدات الطبية والتكنولوجيا المالية والاتصالات.

ورأت تشينزيا بيانكو الباحثة في معهد "المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية" أن "الإماراتيين معجبون بالميزة التنافسية الإسرائيلية والخبرة المعرفية في قطاعي الإنترنت والتكنولوجيا الفائقة".

وأضافت "يريدون اكتساب هذه المعرفة".

إلى جانب ذلك، فإن اتفاقية التطبيع الإسرائيلية مع الإمارات ستمنح أعمالها جسراً إلى الخليج بأكمل.

قال نتانياهو الإثنين إنه يعمل على تسيير رحلات جوية مباشرة تربط تل أبيب بالامارات وتحديدا بدبي وأبوظبي عبر الأجواء السعودية.

لكن السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم العربي، التزمت الصمت حيال الإعلان المفاجئ، إلى أن أكّد وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان الأربعاء في برلين أنه لا تطبيع مع اسرائيل من دون تحقيق السلام مع الفلسطينيين.

يشير مسؤول في القدس فضل عدم الكشف عن هويته، إلى المساعدة التي قدمتها وزارة الخارجية الإسرائيلية لعدد من الشركات على مدى العشرين سنة الماضية.

ويقول "أرادت أكثر من 500 شركة إسرائيلية التعامل مع شركات في دول الخليج، الأمر الذي جعلهم يبرمون صفقات بملايين الدولارات".

ويوضح رئيس شركة "جي في بي" الاستثمارية والمتخصصة بالابتكار والأمن المعلوماتي إريل مارغليت، كيف أن الصفقات كانت تتم بشكل سري قبل اتفاق الخميس الماضي.

ويقول لمراسل فرانس برس في القدس "لكن الآن كل شيء كوشير (حلال)، إن جاز التعبير، ستكون لدينا علاقات مباشرة أكثر وستتحرك الأمور بشكل أسرع".