باريس: تبدأ في الثاني من سبتمبر المقبل في باريس محاكمة المتهمين باعتداءات باريس التي وقعت في أوائل 2015 عندما شن جهاديون فرنسيون ثلاثة هجمات أسفرت عن مقتل طاقم تحرير صحيفة شارلي إبدو وعناصر شرطة وزبائن متجر يهودي.

وستتم محاكمة 14 متهمًا، يشتبه في تقديمهم دعما لوجستيا بدرجات متفاوتة للأخوين سعيد وشريف كواشي وأميدي كوليبالي، مرتكبي الهجمات التي أدت إلى مقتل 17 شخصا بين السابع والتاسع من يناير، وهزت فرنسا وبقية العالم.

وسار عدة ملايين، بينهم العديد من رؤساء الدول والحكومات، للتنديد بهجمات 11 يناير، في تظاهرة ضخمة غير مسبوقة.

وكانت هجمات يناير 2015 بداية لسلسلة من الاعتداءات الجهادية في فرنسا، منها هجمات 13 نوفمبر في باريس والضواحي الشمالية، التي خلفت 130 قتيلاً وأكثر من 350 جريحًا.

والمحاكمة التي تبدأ الأربعاء هي الأولى من نوعها لهجوم جهادي في فرنسا منذ 2017، العام الذي تم فيه الحكم على الهجمات التي شنها محمد مراح على جنود ويهود في 2012.

كما أنها أول محاكمة تتعلق بالارهاب يتم تصويرها، بحكم "اهميتها للأرشيف القضائي". وكان من المقرر إجراؤها قبل الصيف، ولكن تم تأجيلها بسبب وباء كوفيد-19. ومن المقرر أن تستمر حتى 10 نوفمبر.

- تواطؤ -

في السابع من يناير 2015، قتل الأخوان شريف وسعيد كواشي 11 شخصًا في هجوم استهدف هيئة تحرير الصحيفة الأسبوعية الساخرة شارلي إبدو في باريس، قبل أن يلوذوا بالفرار ويقوموا بقتل شرطي.

في اليوم التالي، قتل أميدي كوليبالي شرطية في مدينة مونروج في ضواحي باريس، وفي التاسع من يناير، قتل أربعة أشخاص، جميعهم يهود، أثناء احتجازه رهائن في متجر "إيبر كاشير" الواقع على أطراف باريس الشرقية.

وأردت الشرطة كوليبالي في المكان بعد اقتحامه وقُتل الأخوان كواشي على أيدي القوات الخاصة التابعة للشرطة الفرنسية في مطبعة لجأوا إليها في دامارتان-اون-جول بشمال شرق باريس .

وأنهى ذلك حالة قلق سادت البلاد اثناء تعقب المنفذين.

ومن المتهمين الأربعة عشر، سيحاكم ثلاثة غيابيا، من بينهم حياة بومدين صديقة كوليبالي، والأخوان محمد ومهدي بلحسين اللذان فرا من البلاد قبل الهجمات مباشرة إلى المنطقة العراقية السورية.

وقالت تقارير غير مؤكدة رسميا إن الثلاثة قتلوا، ولا يزالون خاضعين لمذكرات توقيف.

ووجه القضاء أشد التهم عقوبة، وهي "التواطؤ" في جرائم إرهابية، ويعاقب عليها بالسجن المؤبد، ضد محمد، أكبر الأخوين بلحسين، وضد علي رضا بولات الذي سيكون من بين المتهمين.

يُشتبه في أن هذا الصديق المقرب لكوليبالي لعب دورًا رئيسيًا في التحضير للهجمات، ولا سيما في توفير الأسلحة.

يحاكم المتهمون الآخرون بشكل أساسي بتهمة "تشكيل جماعة إرهابية إجرامية" ويواجهون عقوبة السجن لمدة عشرين عامًا. ويمثل شخص واحد فقط طليقا تحت الرقابة القضائية بتهمة "الارتباط مع مجرمين"، وهي جريمة يعاقب عليها بالسجن عشر سنوات.

وتقدم نحو مئتي بدعاوى وسيدلي بعض الناجين من هجوم شارلي إبدو وأحتجاز الرهائن في "إيبر كاشير" بشهادتهم أمام المحكمة.

رهان كبير

أوضحت ماري لور باريه وناتالي سينيك، محاميتا ضحايا صحيفة شارلي إبدو الساخرة والمثيرة للجدل والتي استهدفها الإرهابيون بسبب انتقاداتها للإسلام، لوكالة فرانس برس "هذه المحاكمة هي خطوة مهمة بالنسبة لهم. إنهم ينتظرون تحقيق العدالة لمعرفة من يقف وراء ذلك، مع العلم أن من ضغط على الزناد لم يعد موجودا".

وادى الهجوم إلى ظهور حملة "أنا شارلي" التي لاقت صدى واسعا على شبكات التواصل الاجتماعي.

ويؤكد باتريك كلوغمان، محامي ضحايا "إيبر كاشير" أن "وفاة أميدي كوليبالي لا يعني أن المحاكمة لا تمثل رهانا كبيرا. فلولا المتهمين لما تمكن كوليبالي من التحرك" مشيرا إلى أن المحاكمة لا تهدف إلى إلصاق التهمة بهم.

وترى المحامية صافية عكوري من فريق الدفاع عكس ذلك. ففي غياب "المسؤولين الرئيسيين" الذين لن يتمكنوا من "الادلاء" بشهاداتهم، "سيخضع القضاء لاختبار صعب خلال هذين الشهرين والأمل كبير في الصرامة التي من حقنا أن ننتظرها منه".

وتتواصل التحقيقات حول الدعم الذي تلقاه الأخوان كواشي من اليمن، التي زارها أحدهما في عام 2011.

وتبنى الهجوم الجهادي، الذي استهدف شارلي إبدو، تنظيم القاعدة في اليمن، الذي تم اعتقال احد قادته بيتر شريف، وهو مقرب من الاخوين كواشي، في ديسمبر 2018 في جيبوتي وتم تسليمه إلى فرنسا.

وتم توجيه الاتهام إليه في هذا الشق، لكن لن يتم التطرق إلى تورطه المحتمل أثناء المحاكمة. وكوليبالي من جهته، قال إنه عضو في تنظيم الدولة الإسلامية.

وأدت سلسلة الاعتداءات التي شهدتها فرنسا منذ يناير 2015 إلى مقتل 258 شخصا.