وجدت أغلبية عربية من قراء إيلاف أن التجمعات الإقليمية العربية فاشلة. يمكن رد هذا الأمر إلى أن العرب ينظرون إلى هذه التجمعات من منظور سياسي، ولا يهتمون للمجالات الاقتصادية وغيرها.

إيلاف من بيروت: في العالم العربي – الإسلامي ثلاثة تجمعات إقليمية بارزة: الجامعة العربية، منظمة التعاون الإسلامي، مجلس التعاون لدول الخليج العربية. قلما يعرف المواطن العربي ماذا تفعل هذه المنظمات الإقليمية، اللهم إلا في حال اندلاع حرب ما تستهدف بلدًا عربيًا، فتجتمع هذه التجمعات، خصوصًا الجامعة العربية لتدين وتستنكر، لا أكثر.

ربما لهذا السبب، عندما سألت إيلاف: كيف تقيّم تجربة التجمعات الإقليمية العربية؟ وجد 75 في المئة من القراء المستجيبين للاستفتاء إنها فاشلة، في مقابل نسبة 9.5 في المئة منهم قالت إنها ناجحة، و15.5 في المئة حارت في الإجابة، بين بين.

وهن الجامعة

لا شك في أن الجامعة العربية أمست جهازًا إقليميًا عربيًا مترهلًا، ضعيف البنية وهن العزيمة، تُجمع العرب قاطبة على أنها تحتاج إلى جولات عدة من الإصلاح الهيكلي لتحسين الأداء، على الرغم من أن القرار السياسي فيها ليس بفاعل بسبب الخلافات العربية – العربية التي تنعكس ضعفًا في الإداء السياسي وفي عملية اتخاذ القرار.

ففي العلاقات الدولية، تعكس التجمعات أو المنظمات الدولية قوة أعضائها. فهي ليست كيانًا مستقلاً، أي تستمد قوتها من أعضائها ومن رغبتهم في تقوية مظلتها الجامعة على جميع المستويات، الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية والثقافية. وهنا مكمن الضعف في الجامعة العربية.

لا شك أن دور الأمين العام للجامعة العربية تراجع، خصوصًا في تنقيته الأجواء العربية – العربية. فثمة قضايا تمثل تحديًا للعمل العربي يتراجع فيها دور الجامعة مقابل أدوار أخرى منافسة، كما في الصومال وليبيا والسودان، وكما في الأزمتين السورية واليمنية. يضاف إلى ذلك غياب الإجماع العربي على أي من هذه القضايا.

التعاون الإسلامي

ليس وضع منظمة التعاون الإسلامي بأفضل كثيرًا. ففي افتتاح أعمال الدورة السادسة والأربعين لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي التي انعقدت في مارس 2019 في أبوظبي، قال يوسف بن أحمد العثيمين، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، إن الأمانة العامة للمنظمة تمضي في عملية إصلاح لتحسين أدائها والنهوض بها.

إلا أن أداءها أفضل كثيرًا من أداء الجامعة العربية. في ديسمبر 2019، أعلنت المنظمة أن أداءها خلال السنوات الماضية شهد تطورًا في الدفاع عن القضايا التي تشغل بال الأمة الاسلامية وفيما توليه من اهتمام للتصدي للتحديات التي تواجه دولها الأعضاء.

فقد عملت المنظمة على إعادة ترتيب الأولويات في إطار ضرورة المسايرة المتأنية للتحولات العالمية السريعة بأبعادها المتعددة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، وواصلت جهودها في التنسيق مع شركائها لدعم الدول التي تعرضت لكوارث طبيعية وتلك المتأثرة بالنزاعات بأبعادها المختلفة، وفي تمكين المرأة العربية والشباب العربي.

التعاون الخليجي

تبنت الوثيقة التأسيسية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ما يربط الدول المؤسسة للمجلس من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، ووحدة تراث هذه الدول، وتماثل تكوينها السياسي، والاجتماعي والسكاني، وتقاربها الثقافي والحضاري.

لم تخرج فكرة إنشاء المجلس عن الأهداف القومية للأمة العربية، وفي نطاق ميثاق جامعة الدول العربية، الذي حث على التعاون الإقليمي الهادف إلى تقوية الأمة العربية. أما المبادئ الرئيسية التي أقيم عليها، فكانت المساواة في السيادة، وتسوية المنازعات بالطرائق السلمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والانتماء الكامل للعروبة والتنظيمات العربية، والتمسك بسياسة عدم الانحياز ونبذ الأحلاف والقواعد.

حققت مسيرة العمل الخليجي المشترك في السنوات الماضية العديد من الإنجازات والمشروعات التكاملية، بما في ذلك إنشاء السوق الخليجية المشتركة، والاتحاد الجمركي، والاتحاد النقدي، والربط الكهربائي، وهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية، والهيئة القضائية الاقتصادية، وغيرها من الهيئات المتخصصة في مختلف المجالات الدفاعية والأمنية والتنموية. وأسهم المجلس في تعزيز الشراكات الاستراتيجية الإقليمية مع عدد من الدول العربية والتكتلات السياسية. فمن بين الأهداف الرئيسة للمجلس تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دوله في جميع الميادين بما في ذلك تنسيق سياساتها وعلاقاتها تُجاه الدول الأخرى، والتكتلات والتجمعات الاقتصادية الإقليمية والدولية.

لأن السياسة أولًا

لندع الجامعة العربية التي نخرتها الصراعات العربية جانبًا، إن كانت ثمة إنجازات لمنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، فلمَ وجدها القارئ العربي فاشلة؟

ليس في الأمر سر، فالمواطن العربي لا يلمس فعليًا أي إنجاز مهما كان لصيقًا لحياته "القُطرية" العامة، لأن في الحياة العربية، منذ 1984 مثلًا، لم يتمكن أي من التجمعات الإقليمية العربية مهما بلغت قوتها من إعادة الحق في فلسطين إلى اصحابه، على الرغم من أن "قضية العرب الأولى" كانت موجودة في كل البيانات السياسية لكل التجمعات الإقليمية.

هذا ما يراه المواطن العربي، خصوصًا أن هذا تكرر في الأزمات العربية المختلفة، كالحرب الأهلية اللبنانية، أو تعرض لبنان لثلاثة اجتياحات إسرائيلية، أو اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية، أو تعرض الكويت لاجتياح عراقي في عهد صدام حسين، أو تعرض العراق لاحتلال أميركي، أو الفشل في رأب الصدع الخليجي المستمر.

فهذا المواطن العربي مسيّس، فلا يقيم وزنًا للتكامل الاقتصادي الخليجي الذي أثبت نجاحه في أكثر من مجال، ولو أنه يستفيد منه استفادة كبيرة. فالجانب السياسي طاغٍ على ما عداه.