إيلاف من الرياض: تمضي حكومة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز قدماً في ملف مكافحة الفساد، سباقة إلى أن تكون الشفافية والمساءلة مرتكزين أساسيين لتحقيق التنمية إلى جانب تبني كافة الأنظمة والتشريعات التي تكفل تحقيق العدالة والنزاهة مع الأخذ بأسباب القوة العادلة. لا حصانة في قضايا الفساد، وهو النهج الذي شدد عليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في كلمته حين قال "لن ينجو اي شخص دخل في قضية فساد كائنا من كان".

وكان الملك سلمان قد أصدر أمراً ملكيا يقضي بإنهاء خدمة مسؤولين وإعفائهم من منصابهم وإحالتهم للتحقيق في تهم فساد مالي. وكُلفت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد باستكمال إجراءات التحقيق مع كل من له علاقة بذلك من العسكريين والمدنيين، واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة بحقهم، ورفع ما يتم التوصل إليه.

وتمضي المملكة في تحويل التوجيهات إلى واقع عملي تجلَّى في محاربة الفساد والمفسدين عبر ترؤس ولي العهد للهيئات الرقابية المعنية في حملة تطهير وطنية واسعة استطاعت أن تعيد لميزانية الدولة أكثر من 100 مليار دولار. وكان من ثمرة ذلك أن أحرزت المملكة تقدمًا في مؤشر مدركات الفساد، فبعدما كانت في المرتبة 62 في عام 2016 وصلت إلى المرتبة 51 في عام 2019، وقفزت 11 مرتبة؛ ويعود ذلك إلى التقدم في الخطوات التي قامت بها المملكة في حملة مكافحة الفساد.

باحثون وصحافيون تحدثوا لـ"إيلاف" حول الأوامر الملكية.
وقال الأستاذ المشارك في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود عادل المكينزي إن المملكة أعادت هيكلة أنظمة الرقابة ومكافحة الفساد في عام 2019 من خلال ضم هيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة"، وهو ما شكَّل دفعة قوية لاستئصال أشكال الفساد وتدعيم قيم النزاهة في المجتمع ما جعل الهيئة تتمتع بالصلاحيات اللازمة لملاحقة الفاسدين ومحاسبتهم، وإعادة الأموال المنهوبة للخزينة العامة، بما يكفل تعزيز مبدأ سيادة القانون، ومساءلة كل مسؤول مهما كان موقعه.

وأشار المكينزي إلى أن وثيقة الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد أساسًا تنبثق منها رؤية واضحة تؤكِّد أن مكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة تتم عبر منظومة متكاملة وتنسيق عالٍ بين مؤسسات المجتمع المختلفة، لافتاً إلى أن الدور المهم المنتظر أن تضطلع به المؤسسات الإعلامية عبر أدوارها المجتمعية في رفع مستوى الوعي بخطورة الفساد وأهمية مكافحته، ليتَّحدا في صفٍ واحد ضد الفساد والفاسدين بخطة ممنهجة تحمي حاضر الوطن ومستقبله بوسائل إعلام نشطة وجهات رقابية يقظة.

من جهته، قال الإعلامي السعودي عبدالرحمن المرشد إن الدول لن تنجح باجتثاث الفساد حتى يتوافر لديها قيادات طموحة مخلصة لوطنها، وهذا ما تحقق في السعودية على يد ولي العهد. أضاف المرشد أن "متابعة الفاسدين لا تقتصر على القضايا الحالية إنما يشمل ذلك كل تلاعب وتهاون بالمال العام منذ سنوات مضت، فالجميع تحت المسائلة ومن أخذ شيئا بغير حقه لابد أن يعيده مهما طال الزمن، وهو ما جعل الفاسد يفكر ألف مره قبل أن تسول له نفسه بالإستيلاء على المال العام لصالح حساباته الخاصة".

ووصف الإعلامي السعودي نايف الحربي الفساد بالعدو للتنمية معتبراً أن المال العام "يبقى عرضة لضعاف النفوس وأعوانهم لكن حصانته تزيد وتقوى إذا وجد إرادة قوية وقيادة حكيمة تضع حداً لكافة تجاوزات المتنفذين الفاسدين وكل من تسوّل له نفسه التطاول على حقوق الناس ومصالح الشعب صغيراً كان أم كبيراً كائنا من كان"، مضيفاً "أثبتت الأحداث والمواقف التي ساقتها الأعوام القليلة الماضية إصرار الدولة على مكافحة الفساد وأن مساعي حماية المال العام لا حدود لها وأنها مسؤولية مشتركة بين الجميع".

بدوره، تحدث الباحث السعودي محمد آل سلطان عن الاعفاءات الأخيرة المتعلقة بقضايا الفساد قائلاً إن الحرب على الفساد معركة مصيرية تخوضها الأمم ليست يسيره، إنما تحمدها الأجيال لأنها تخلق دولة نظيفة ودولة شفافية ووفرة مالية والمتابع يرى أن ما من دولة في العالم حاربت الفساد حتى أصبح عائدها الأخلاقي والأقتصادي والسياسي أكبر مما يتوقعه الكثيرون".

وأضاف آل سلطان أن الاعفاءات الأخيرة المتعلقة بقضايا الفساد تحمل مضامين مهمة أولها أن الحرب على الفساد مستمرة.

ونص البيان الذي نقلته وكالة الأنباء السعودية على إحالة عدد من الضباط والموظفين المدنيين في وزارة الدفاع للتحقيق. واعتبر آل سلطان أن الموضوع مهم جداً نظراً إلى أن وزارة الدفاع يشرف عليها ولي العهد، وبالتالي فإنه لا مجاملة لكائنا من كان، مضيفاً مضموناً ثالثاً لمحاربة الفساد قائلاً كان بإمكان ولي العهد عدم خوض هذه المعركة بشراستها إلا أن مصلحة الشعب والدولة جعلت الحرب على الفساد ضرورية. ختم آل سلطان بالقول إن "سيف الملك سلمان والأمير محمد ماضون في الحرب إلى أبعد مدى".

المؤشر الدولي لشفافية الميزانية
يذكر أنه في يناير الماضي، أظهرت نتائج المسح الدولي الذي أجرته منظمة الشراكة الدولية للميزانية، وهي منظمة دولية غير ربحية، تقدّم تصنيف المملكة بـ18 مرتبة خلال 2019، ضمن مؤشر شفافية الميزانية مقارنة بالمسح السابق، وذلك بعد ارتفاع درجة تقييم المملكة إلى 18 نقطة مقابل نقطة واحدة في المسح السابق الصادر في عام 2017.

وعكست نتائج المسح المعني بتقييم درجات الإفصاح المالي والشفافية المرتبطة بالميزانية العامة على مستوى دول العالم، الجهود التي بذلتها حكومة المملكة خلال الفترة السابقة لتعزيز الشفافية والإفصاح في المالية العامة .

لا حصانة
كما وضعت المملكة ضمن أهدافها الرئيسة استعادة المال العام المنهوب من قبل الفاسدين بمختلف مستوياتهم الوظيفية وتنبيه العاملين في القطاع العام ونشر ثقافة النزاهة وتحويلها إلى ثقافة عامة لتجفيف منابع الفساد.

وتواصل الجهات المعنية ممثلة بهيئة الرقابة ومكافحة الفساد "نزاهة" دورها في القضاء على الفساد، وتباشر الهيئة 218 قضية جنائية، كان أبرزها إيقاف رجل أعمال في المنطقة الشرقية ومواطنين، علاوة على أمر ملكي صدر الأسبوع الماضي، ويقضي بإعفاء عدد من المسؤولين وإحالتهم للتحقيق بتهم فساد تتعلق بمشروعات العلا والبحر الأحمر السياحية.