في كتابه "تسجيل دائم"، يسجل إدوارد سنودن تفاصيل رحلته بين الأسرار والفضائح الأميركية في عالم الاستخبارات، وخروجه من أميركا، ومنفاه الروسي.

إيلاف من بيروت: في عام 2013، صدم إدوارد سنودن العالم بانفصاله عن الاستخبارات الأميركية فاضحًا ممارساتها في التجسس والتنصت والمراقبة الجماعية. بعد ست سنوات، يتحدث في كتابه "تسجيل دائم" Permanent Record (352 صفحة، منشورات هنري هولت وشركاه) أول مرة عن نشاطاته السرية مع وكالتي الاستخبارات المركزية والأمن القومي.

يكتب سنودن: "إذا كنت تقرأ هذا العمل، فذلك لأنني فعلت شيئًا خطيرًا في موقفي: قررت أن أقول الحقيقة. جمعت وثائق تبين أن أجهزة الاستخبارات الأميركية كانت تنتهك القانون، ثم أعطيتها للصحافيين الذين تقصّوا عنها قبل نشرها، الأمر الذي خلق فضيحة عالمية"، معريًا السياسة الأميركية في مذكرات تألفها سلسلة وقائع واعترافات يبدأها إدوارد جوزيف سنودن الذي يعرف عن نفسه بالقول: "كنت أعمل في الماضي لدى الحكومة، لكني اليوم في خدمة الجميع".

أسئلة مؤرقة

حين بدأ سنودن العمل مع وكالة الاستخبارات المركزية، كانت معنويات أفرادها في الحضيض بعد فشل أجهزة الاستخبارات في تجنب هجمات 11 سبتمبر، وقيام السلطات التنفيذية والكونغرس بإعادة تنظيم شاملة للوكالة. مع توالي الأمور واستقالة رئيس سي آي آي القديم واستلام آخر، تمت إقالة عدد كبير من الموظفين فوجدت الوكالة نفسها مضطرة للتعاقد مع موظفين جدد بالباطن.

يكتب: "من عام 2007 إلى عام 2009، تمّ تكليفي في السفارة الأميركية في جنيف. وتحت غطاء دبلوماسي كنت أحد المتخصصين القلائل المسؤولين عن قيادة وكالة الاستخبارات المركزية نحو عالم الغد من خلال ربط جميع وكالاتها الأوروبية بالإنترنت ومن خلال رقمنة وأتمتة الشبكة التي تتجسس من خلالها الحكومة الأميركية على الجميع". لكن... "لم أكن أدرك أن إنشاء نظام يسمح للأرشفة الدائمة لحياة الجميع هو خطأ مأساوي".

واجه سنودن أسئلة عدة أرّقته لفترة طويلة قبل أن يتخذ قراره أخيرًا: "كيف يمكنني التوفيق بين وعدي لأجهزة الاستخبارات باحترام سرية عملي وبين وفائي للمبادئ التأسيسية لبلدي؟ إلى من أدين بالولاء؟ كيف سأكمل حياتي بعد أن اكتشفت حقيقة ما أنا متورط فيه؟"

اتخذ قراره منحازًا إلى الناس والحقيقة، وتصرّف بما يرضي ضميره: جمع وثائق تدين سلوك الولايات المتحدة الأميركية وأجهزة استخباراتها بالتجسس على الناس وقادة الدول وسربها للصحافيين، ليتخفى في روسيا التي قبلت لجوءه إليها حين رفضت دول أخرى خوفًا من أميركا.

الصدفة الصينية

حضر سنودن معرض وظائف في عام 2006 في فندق ريتز كارلتون بفرجينيا، فقبل عرضًا لمنصب في وكالة الاستخبارات المركزية، فكلف قسم الاتصالات العالمي في لانغلي.

في مارس 2007، وضعت الوكالة سنودن بغطاء دبلوماسي في جنيف، مسؤولًا عن الحفاظ على أمان شبكات الكمبيوتر. في فبراير 2009، استقال سنودن من الوكالة.

بعد ذلك، تعاقد مع وكالة الأمن القومي في اليابان لكنه كان رسميًا موظفًا في شركة "أنظمة بيرو"، وكان يعمل في مركز المحيط الهادئ التقني التابع لوكالة الأمن القومي في قاعدة يوكوتا الجوية. كانت وظيفته ربط بنية النظم في وكالة الأمن القومي مع وكالة الاستخبارات المركزية.

استضافت المؤسسة العامة للاتصالات مرة مؤتمرًا يضم إحاطات إعلامية قدمها خبراء من جميع مكونات الاستخبارات، ويتعلق بكيفية استهداف أجهزة الاستخبارات الصينية لجماعة الاستخبارات الأميركية وكيف يمكن أن يرد مجلس الأمن. ناب سنودن عن المسؤول التكنولوجي في تقييم قدرات المراقبة الصينية. ظل مستيقظًا طوال الليل يعد عرضه التقديمي ويتصفح التقارير السرية العليا خارج شبكة الأمن القومي وشبكة وكالة المخابرات المركزية.

صُعق سنودن بقدرة الصين على جمع وتخزين وتحليل مليارات الاتصالات الهاتفية والإنترنت اليومية لأكثر من مليار مواطن. بدأ يعتقد أن من المستحيل على الولايات المتحدة الحصول على الكثير من المعلومات حول ما يفعله الصينيون من دون القيام ببعض الأشياء ذاتها.

استغلال.. انتهاك

يعترف سنودن بأنه كان أكثر تشككًا عندما قرأ تقريرًا غير مصنف حول برنامج مراقبة الرئيس، فبحث عن التقرير السري لكنه لم يعثر عليه. بعد فترة، ظهرت النسخة المبوبة صدفة على جهازه، فقرأ التقرير: "شعرت بأنني ناضج أكثر من أي وقت مضى، لكنني شعرت بالاستياء أيضًا مع معرفة أن كل واحد منا تحول إلى شيء مثل الأطفال الذين سيضطرون إلى العيش بقية حياتهم تحت إشراف الوالدين اللذين يعرفان كل شيء. شعرت كأنني في عملية احتيال. كأنني أحمق. خاصة بصفتي شخصًا يتمتع بمهارات تقنية خطيرة يفترض أنها ساعدت بطريقة ما على بناء مكون أساسي في هذا النظام دون تحقيق معرفة الغرض منه. شعرت بالاستغلال والانتهاك".

في فصل سماه "الإبلاغ عن المخالفات"، يناقش سنودن دستور الولايات المتحدة ويجادل بأن مجتمع الاستخبارات اخترقه بالتصرف من دون عقاب من السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية.

يناقش أيضًا تاريخ الإبلاغ عن المخالفات ويقول إنه يجب عدم استخدام مصطلحي"التسريب" و"الإبلاغ عن المخالفات" بالتبادل لأنه يعتقد أن"التسريب" يتم من باب المصلحة الذاتية وليس من باب المصلحة العامة.

خارج أميركا

يتحدث سنودن عن قراره العمل لأجل الصالح العام، وبالتالي الهرب. حاول السفر إلى الإكوادور للحصول على اللجوء السياسي. خطط للسفر إلى موسكو ثم هافانا ثم كراكاس ثم كيتو فالإكوادور، لأنهم لم يتمكنوا من الطيران مباشرة من هونغ كونغ وجميع الرحلات الجوية الأخرى كانت عبر المجال الجوي للولايات المتحدة.

وصل إلى مطار شيريميتيفو الدولي بموسكو حيث تم أخذه جانبًا واستجوبه رجل من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي

طلب الرجل من سنودن العمل لصالح روسيا، لكن سنودن رفض العرض وقال إنه ليست لديه أي نية للبقاء في روسيا. فوجئ الرجل وأبلغ سنودن بأن وزارة الخارجية الأميركية ألغت جواز سفره. طالبه الروس بالمعلومات التي يعرفها، رفض، فتعرض للاعتقال في شيريميتيفو أربعين يومًا، تقدم خلالها إلى سبعة وعشرين دولة للحصول على اللجوء السياسي، لكن لم يتم قبولها. منحته الحكومة الروسية حق اللجوء المؤقت، وما زال هناك.