بين 2015 و2020، واجهت أوروبا أزمة مهاجرين حادة، خصوصًا أن تركيا كانت تؤدي دورًا في منع اللاجئن من الوصول إلى أوروبا، إلى أن تحول الأمر إلى ابتزاز. اليوم، أوروبا تعيد النظر في سياساتها للهجرة.

باريس: بعد تدفق أكثر من مليون مهاجر عام 2015 إلى أوروبا، لم يضع تراجع أعداد الواصلين إلى القارة حداً للحوادث المأساوية في المتوسط، ولا للمشاحنات بين الدول الأوروبية على خلفية مسألة استقبال المهاجرين، وهي أزمة تريد بروكسل تسويتها عبر "ميثاق" للهجرة كشفت عنه الأربعاء.

بدأت أعداد الواصلين إلى أوروبا بالارتفاع تدريجياً اعتباراً من عام 2011، تاريخ بدء النزاع في سوريا. لكن الوضع بلغ مستويات ضخمة في عام 2015.

في نيسان/أبريل من ذلك العام، لقي نحو 800 مهاجر انطلقوا من ليبيا حتفهم غرقاً. كانت تلك أسوأ كارثة غرق في المتوسط منذ عقود. ومع نهاية الصيف، تضاعفت أعداد الواصلين إلى أوروبا، ليبلغ الإجمالي الذي سجل ذاك العام أكثر من مليون، بينهم أكثر من 850 ألف مهاجر وصلوا عبر اليونان.

خشية من كارثة إنسانية، فتحت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أبواب بلدها، ما أثار غضب جيرانها. لكن برلين التي كانت على وشك الوصول إلى ذروة قدرتها على استيعاب مهاجرين جدد، أعادت سريعاً فرض قيود على حدودها، تلتها دول أخرى أولها النمسا وسلوفاكيا.

ومن أجل طمأنة اليونان وإيطاليا، اعتمد الأوروبيون في أيلول/سبتمبر من ذاك العام نظام حصص توزيع طالبي اللجوء، رغم معارضة العديد من دول شرق أوروبا. وكان من شأن تلك الخطة الموقتة التي لطالما كانت محط انتقادات، أن تزيد من بلورة الانقسامات الأوروبية.

وعلى طريقهم نحو أوروبا، كان بإمكان المهاجرين رؤية الأسيجة ترتفع على الحدود كما في المجر وسلوفينيا.

أزمة 2015

في آذار/مارس 2016، أغلقت حدود البلقان كاملةً، من مقدونيا وصولاً إلى النمسا، وهي الطريق التي كان يسلكها المهاجرون طوال الصيف للوصول إلى شمال أوروبا.

وفي 18 آذار/مارس، وقعت اتفاقية بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة تنص على أن يعاد إلى تركيا كافة المهاجرين الذين يصلون اليونان مقابل مساعدة مالية.

وبنتيجة تلك الاتفاقية، انخفض عدد الواصلين إلى أوروبا بشكل ملحوظ (دون 390 ألفاً في عام 2016). لكن وجد عشرات آلاف المهاجرين أنفسهم عالقين في اليونان.

إحدى النتائج الأخرى لتلك الاتفاقية كان تحول ليبيا إلى الطريق الرئيسي للهجرة، وأن تصبح إيطاليا البوابة الأولى لدخول أوروبا.

لكن الموازين تغيرت بفعل توقيع اتفاقات بين روما والسلطات والفصائل الليبية منتصف عام 2017. غير أنها أثارت الكثير من الجدل، فقد اتهم الاتحاد الأوروبي الذي يقدم الدعم لخفر السواحل الليبيين بغض الطرف عن احتجاز مهاجرين في ليبيا وتعرضهم للعنف.

وفي عام 2018، جاء دور إسبانيا لتصبح بوابة الدخول الرئيسية للمهاجرين إلى أوروبا.

اتفاق أوروبي - تركي في 2016

وصل إلى السلطة في إيطاليا أواخر أيار/مايو 2018 ائتلاف بين اليمين المتطرف والشعبويين. كانت أولى قرارته رفض استقبال سفينة إنسانية على متنها 630 مهاجراً.

رست السفينة "أكواريوس" أخيراً في إسبانيا، بعد أسبوع من النقاشات التي عززت التوتر في الاتحاد الأوروبي لا سيما بين روما وباريس.

وفي ختام قمة أوروبية أواخر حزيران/يونيو، نظرت الدول الأوروبية بإنشاء "منصات استقبال" للمهاجرين خارج الاتحاد الأوروبي و"مراكز خاضعة لقيود" داخل أوروبا، يجري فيها التمييز بين المهاجرين غير الشرعيين الذين يجدر طردهم، وطالبي اللجوء الذين سيجري استقبالهم. لكن العواصم الأوروبية أخفقت في الاتفاق على كيفية التنفيذ.

وخلال عام، ومع إغلاق المرافئ الإيطالية أمام المهاجرين بدفع خصوصا من وزير الداخلية ماتيو سالفيني (يمين متطرف)، تكرر السيناريو نفسه: السفن تتوه في المتوسط لحين أن تتوافق بعض الدول في ما بينها على استقبال المهاجرين الذين يجري إنقاذهم.

وفي حزيران/يونيو عام 2019، كان الرسو المتعمد لسفينة تابعة لمنظمة "سي ووتش" غير الحكومية في جزيرة لامبيدوسا حدثاً مؤثراً.

2017.. إيطاليا في الصف الأول

كان من شأن التغيير الحكومي في إيطاليا أواخر صيف عام 2019 وإعادة فتح الموانئ الإيطالية أن يسمح بالتوصل في أيلول/سبتمبر لاتفاق بين ألمانيا وإيطاليا وفرنسا ومالطا، وبدعم من عدد من الدول.

وهو ينص على آلية موقتة هدفها السماح بتسهيل رسو السفن، وجعل استقبال المهاجرين أمراً تلقائياَ من جانب عدة دول تطوعت على القيام بذلك. لكنه علّق بفعل الأزمة الصحية.

في 2019، وصل أقل من 129 ألف مهاجر أوروبا.

2018-2019: أزمة سياسية

أواخر شباط/فبراير 2020، أعلنت تركيا فتح حدودها مع اليونان، ما أدى إلى تدفق عشرات آلاف المهاجرين نحوها. وندد الأوروبيون حينها بالخطوة التركية باعتبارها "ابتزازا".

مع ذلك، أسهم إغلاق الحدود على خلفية الأزمة الصحية بالحد من محاولات العبور إلى أوروبا. ونتيجة الوباء أيضاً، أغلقت المرافئ الإيطالية والمالطية مطلع نيسان/ابريل بينما بات وجود السفن الإنسانية شحيحاً.

بموازاة ذلك، تسرع الأزمة من عمليات العبور عبر وسط البحر المتوسط. وتخشى المنظمات غير الحكومية من حصول "مأساة خلف الأبواب المغلقة"، في حين تطلب إيطاليا دعم الاتحاد الأوروبي.

كذلك ولو بوتيرة أقل، ازدادت محاولات العبور السرية لبحر المانش من فرنسا، ما أثار التوتر بين لندن وباريس.

اتفاق موقت

كشفت المفوضية الأوروبية الأربعاء عن "ميثاق جديد للهجرة واللجوء"، كان منتظراً بشدة وأرجئ الإعلان عنه أكثر من مرة. يهدف هذا التعديل المثير للجدل على سياسة الهجرة إلى وضع "آلية تضامن إلزامية" بين الدول الأوروبية في حال وجود ضغط من المهاجرين وإرسال من رفضت طلبات لجوئهم إلى بلدهم الأصلي.