إيلاف من الرباط: اختتمت الجمعة فعاليات المؤتمر السنوي للسلم والأمن في إفريقيا، بورشتين حول مؤشري الأمن البشري الإفريقي والسلم العالمي، بحضور محمد صالح النظيف، رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي ووزير خارجية تشاد السابق.

وتناول المؤتمر، الذي نظمه مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، في دورة هذه السنة، عن بعد، على مدى ثلاثة أيام، موضوع "(كوفيد – 19) والأمن في إفريقيا".

وقال رشيد الحديكي، الباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، إن أزمة (كوفيد – 19) يمكن أن تكون حافزا لمزيد من الأمن الإنساني في إفريقيا، وشدد على أن النقاشات والتأملات الاستشرافية التي ميزت محادثات دورة هذه السنة من المؤتمر تكتسي ضرورة قصوى.

صوت إفريقيا
رداً على ملاحظات راما ياد، الباحثة بالمجلس الأطلسي ووزيرة الدولة السابقة للشؤون الخارجية وحقوق الإنسان بفرنسا، بشأن أزمة التعددية، قال النظيف إنه "أحد الذين يكررون دائمًا أنه عندما تم إنشاء الأمم المتحدة كان هناك نحو 50 بلدا، مقارنة بـ 193 بلدا اليوم. كما أن أغلب المشاكل التي تهم إفريقيا تفتقد لصوت وتمثيلية هذه القارة، الشيء الذي يلزم مجلس الأمن بإعادة النظر في أولوياته وطرق تسييره وإصلاحاته".

بين ليبيا ومالي
وقال النظيف، وهو يتحدث عن الوضع في مالي، إن الأزمة تفاقمت في هذا البلد الإفريقي بعد أزمة 2011 في ليبيا.

وزاد أنه حين قرر حلف شمال الأطلسي التدخل واغتيال العقيد معمر القذافي، عارض الاتحاد الأفريقي ذلك، ولكن أحداً لم ينصت إليه. فتحول الساحل إلى ترسانة سلاح تحت السماء العارية، حيث يتداول هناك نحو 60 مليون سلاح صغير، وسبب 8 بالمائة من الأزمة في مالي وجود أفراد مسلحين غادروا ليبيا أثناء تدخل حلف شمال الأطلسي. لقد كان هناك اتفاق للسماح لكل هؤلاء الناس بالتدفق إلى منطقة الساحل والنيجر ومالي. كنت مسؤولاً في تشاد، وقد أغلقنا حدودنا، في حين كان 3 ملايين تشادي يعيشون في ليبيا. وهكذا نجت تشاد. بعدها شهدت مالي تدفق موجة الآلاف من المقاتلين المسلحين، والإرهابيين الذين شاركوا في هذه الحرب، والتي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا. فلننظر إلى مصدر الصراعات في أفريقيا: إذا لم تتوقف هذه التدخلات، فلن يكون هناك سلام في أفريقيا".

مصدر النزاعات
قدم النظيف تحليلا سياسيا دقيقا للغايةعن بينين: الغاية من الانتخابات مبدئيا حل المشاكل، ولكن في إفريقيا تجرى الانتخابات لخلق المشاكل بحيث لا يتم تطبيق قواعد اللعبة بشكل جيد. لقد تراجعت دولة مثل بينين، التي اعتادت أن تكون "الحي اللاتيني" لإفريقيا وأكثر البلدان تشبثا بالسلم، في تصنيف مؤشر السلام العالمي. لماذا؟ لأن الإصلاحات التي اتخذت لم تكن شاملة، واتسمت باستبعاد العديد من الجهات الفاعلة من المشهد السياسي، فالصراعات تنشأ عندما تكون هناك قطيعة في توافق الآراء داخل البلدان حول تقاسم الثروة وقواعد اللعبة السياسية، مع انتخابات مزورة أو مرشحين مستبعدين في كوت ديفوار وغينيا وبوركينا فاسو وغانا والنيجر حيث من المحتمل أن تؤدي الانتخابات القادمة إلى صراعات جديدة، وذلك ببساطة لأن قواعد لعبة الديمقراطية لا تُحترم.

اضطرابات اجتماعية
قدم سيرج ستروبنتس، مدير أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد الاقتصاد والسلام الذي يتخذ من بروكسل مقراً له، المؤشر العالمي للسلام الذي نشرته منظمته، والذي قدم الخطوط العريضة لنتائج عام 2019. حيث تراجع السلام العالمي بنسبة 0,34 بالمائة كما جاء في التقرير، وهو الانخفاض التاسع منذ عام 2008 ولكن تأثير الإرهاب انخفض بنسبة 75 بالمائة في عام 2019.

ويفسر انخفاض السلم بزيادة عدد المشردين بسبب الصراع، فضلا عن حدة الصراعات الداخلية. وتأتي إيسلندا في المرتبة الأولى بين أكثر الدول سلما قبل نيوزيلندا والدول الأوروبية مثل البرتغال والنمسا والدنمارك، في حين تحتل أفغانستان آخر مرتبة بين المجموعة الأولى، لتتجاوز العراق من حيث مؤشر الإرهاب العالمي. وتظل أوروبا المنطقة الأكثر سلاما في العالم، ولكنها ليست محصنة ضد عدم الاستقرار السياسي والتغيرات السلبية. أما بالنسبة لإفريقيا، فقد عرفت بينين أكبر تراجع، بحيث برزت جهات فاعلة غير تابعة لدولة بعينها في الصراع.

ما بين 2011 و 2019، ارتفعت الاضطرابات الاجتماعية، والتي تُقاس بأعمال الشغب والإضرابات العامة والمظاهرات، بنسبة 244 بالمائة في مختلف أنحاء العالم، وأكثر من 600 بالمائة في إفريقيا، مع تحول الاضطرابات غالباً إلى العنف. إن التكلفة العالمية المترتبة عن العنف، والتي يحددها نهج إحصائي، تبلغ 14. 5 تريليون دولار، أي 10.6 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، أو 1909 دولار للشخص الواحد. وقد مكنت دراسة أجريت في 18 دولة وفي إفريقيا من تقييم تكاليف العنف، الذي تستخلص إدارته ما بين 30 إلى 40 بالمائة من ميزانيات الدول.

أزمة تعددية
قالت راما ياد إن السلام أصبح موضوعاً "باهتاً" في الدبلوماسية، التي تركز بشكل أكبر على تعزيز الاستثمار، الرقمنة، والمناخ، والتنوع الثقافي، ولكن "نادراً ما تركز على السلام، وكأننا وصلنا إلى نهاية التاريخ ". بينما عصبة الأمم، التي هي أحد المبادئ المؤسسة لحداثتنا، كانت تسعى إلى توطيد العلاقات بين الدول بعد الحربين العالميتين. واليوم لا تزال الصراعات الدامية متواصلة في منطقة الساحل، ومالي، والنيجر، وبوركينا فاسو ونيجيريا.

ويترتب عن بعض الصراعات تشرد أعداد كبيرة من السكان، مثل الكاميرون الناطقة بالإنجليزية (530 ألف شخص) وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا. لم تنته هذه الحرب في العالم لمجرد أن أوروبا وأميركا لم تعد في حالة حرب، بل نجد أن الصراعات الحالية ترتبط ارتباطاً مباشراً بأزمة التعددية وقد كانت هذه الأخيرة مُحرفة منذ البداية، ففي قلب الأمم المتحدة يوجد مجلس أمن تجلس فيه بعض الدول دون دول أخرى. نحن نشهد اليوم في إفريقيا رغبة في التوصل إلى جعل الحلول والتعددية ذاتها إفريقية. إن تمثيلية إفريقيا في الأمم المتحدة أقل من ثقل إفريقيا اليوم. علينا أن نجعل التعددية إفريقية الطابع إذا أردنا مواجهة الأزمة العالمية المتمثلة في التعددية".

ثلاثية الولاية
من جهته، قال عبد الحق باسو الباحث بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، إن المجتمع الدولي والاتحاد الإفريقي والمجتمعات الإقليمية تعالج الأعراض أكثر مما تعالج الأمراض. ففي مالي، الدولة التي تعرف الانقلاب الرابع، ولربما ليس الأخير، تجب العودة إلى جذور المشاكل، بما في ذلك الفساد.

وزاد باسو أن قائلا إن إفريقيا أصبحت تواجه تهديد "ثلاثية الولاية" عبر تعديل للدستور، منتهيا إلى أن كل هذا يطرح مشكلة الحكامة والتناوب على رأس الدول الإفريقية.