خاض كل من لال كريشنا أدفاني (إلى اليسار) وأوما بهارتي (إلى اليمين) صراعا قضائيا امتد عدة سنوات
Getty Images
خاض كل من لال كريشنا أدفاني (إلى اليسار) وأوما بهارتي (إلى اليمين) صراعا قضائيا امتد سنوات طويلة

برأت محكمة خاصة في الهند ساحة عدد من كبار زعماء حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم من التهم الموجهة إليهم المتعلقة بدورهم المزعوم في هدم مسجد بابري في عام 1992.

وكان المتهمون، ومنهم نائب رئيس الحكومة السابق لال كريشنا أدفاني والقياديان في الحزب إم إم جوشي وأوما بهارتي، قد دأبوا على نفي كل التهم الموجهة إليهم، ومنها تحريض جموع من الهندوس على هدم المسجد، في بلدة أيوديا، الذي يرجع تاريخه إلى القرن السادس عشر.

وأدى هدم المسجد إلى اندلاع أعمال عنف راح ضحيتها نحو ألفي شخص.

كما اعتبرت الحادثة نقطة مفصلية في صعود نجم اليمين الهندوسي المتطرف في الحياة السياسية في الهند.

وبرأ قرار المحكمة الذي صدر يوم الأربعاء ساحة 32 من المتهمين الـ 49 - الذين مات منهم 17 في الفترة التي استغرقها النظر في القضية.

وجاء في قرار المحكمة أنه لا توجد أي أدلة تشير إلى وجود مخطط مسبق لهدم المسجد.

وكان حشد هندوسي قد هدم مسجد بابري بدعوى أنه كان مشيدا فوق أنقاض معبد لإلههم "رام"، إذ يؤمن الهندوس بأن "رام" قد ولد في أيوديا.

ويعد قرار المحكمة قرارا تاريخيا ومثيرا للجدل في آن واحد. وقد شمل أيضا رئيس الحكومة السابق أتال بيهاري فاجبايي الذي مات في عام 2018.

ويأتي صدور القرار بعد سنة تقريبا من صدور قرار آخر يتعلق بالمسجد وموقعه، إذ قررت المحكمة الهندية العليا في العام الماضي منح الأرض التي كان المسجد مشيدا عليها للهندوس، وهو ما وضع نهاية لصراع قضائي دام عدة عقود. ومنحت المحكمة المسلمين قطعة أرض أخرى في أيوديا لكي يشيدوا مسجدا عليها.

وكان رئيس الحكومة الحالي، نارندرا مودي، قد وضع في أغسطس/ آب الماضي حجر الأساس لمعبد هندوسي في الموقع الذي كان المسجد مقاما فيه، محققا بذلك وعدا كان حزب بهاراتيا جاناتا قد قطعه على نفسه، وهو ما اعتبر لحظة رمزية مهمة بالنسبة لقاعدته الجماهيرية الهندوسية المتطرفة.

كيف استُقبل الحكم القضائي؟

قالت هيئة القوانين الشخصية الإسلامية لعموم الهند إنها ستستأنف ضد الحكم أمام المحكمة العليا. وقال المحامي الذي وكلته الهيئة ظفرياب جيلاني "استمعت المحكمة الى شهادات رجال شرطة ومسؤولين حكوميين وصحفيين بارزين. ولكن ماذا عن الشهادات التي أدلوا بها؟ كان على المحكمة استبيان ما إذا كان هؤلاء الشهود يكذبون".

ويعتقد العديد من المراقبين السياسيين أنه من المرجح أن يؤجج القرار مشاعر السخط والتهميش المنتشرة أصلا في صفوف الأقلية المسلمة في الهند، التي يبلغ عدد أفرادها نحو 200 مليون.

وندد عدد من الزعماء السياسيين المعارضين وبعض المعلقين بالقرار.

فقد قال القيادي في حزب المؤتمر المعارض رانديب سورجيوالا إن الحكم ليس إلا "انتهاكا فظا للقانون"، وأنه "جاء على النقيض من روح الدستور الهندي". أما القيادي في الحزب الشيوعي الهندي (ماركسي) سيتارام ييشوري، فقال إن القرار "يعد تحريفا ساخرا للعدالة".

وقال عضو البرلمان أسدالدين أويسي لبي بي سي إنه "تألم" لسماعه بقرار الحكم، واصفا إياه بأنه يمثل "يوما أسود للقضاء الهندي".

وأضاف متسائلا "هل هُدم المسجد بفعل السحر؟ يبدو أن العنف يؤدي أحيانا إلى منافع سياسية".

أما أدفاني، الذي يبلغ الآن من العمر 92 عاما، فقال إنه "يرحب كليا" بقرار الحكم، بينما قال جوشي (86 عاما) إن القرار يعتبر "قرارا تاريخيا" أثبت غياب أي "مخطط مسبق".

ولم يحضر أدفاني وجوشي والقيادية بهارتي (61 عاما) جلسة النطق بالحكم، لكنهم تابعوها من خلال الفيديو.

ولكن إقبال أنصاري، وهو أحد الذين أقاموا الدعوى القضائية حول ملكية أرض مسجد بابري، قال "من الجيد أن الأمر انتهى. دعونا نعيش بسلام، وأرجو ألا تحصل أي مشاكل جديدة على هذه الشاكلة. فالهندوس والمسلمون طالما تعايشوا بسلام في أيوديا".

ما الذي جرى في السادس من ديسمبر/ كانون الأول 1992؟

بدأ الأمر بمسيرة نظمتها جماعات هندوسية يمينية، بما فيها حزب بهاراتيا جاناتا المعارض آنذاك، في أيوديا. وكان الهندوس اليمينيون قد تعهدوا منذ أمد بعيد بتشييد معبد لهم في الأرض التي كان مسجد بابري مقاما عليها.

وكان المشاركون في المسيرة قد تعهدوا بأن تجمعهم ذلك اليوم ستكون له قيمة رمزية، وأنهم ينوون احياء حفل ديني ولن يصيبوا المسجد بأذى.

وقال مراسل بي بي سي في الهند آنذاك مارك تالي، والذي شهد ما جرى، إن جمعا حاشدا يقدر عدده بـ 150 ألفا حضر إلى المكان واستمع إلى خطب ألقاها زعماء من حزب بهاراتيا جاناتا وغيرهم من الزعماء اليمينيين.

وحضر أدفاني وجوشي - اللذان توليا مناصب رفيعة في الحكومة التي قادها حزب بهاراتيا جاناتا - الحفل.

وأثناء الحفل، قام آلاف من الشبان المزودين بالمعاول والمطارق والقضبان الحديدية بالهجوم على الحاجز الذي أقامته الشرطة لحماية المسجد، وتسلقوا قبته الوسطى وبدأوا بهدمها. ولم يمض إلا وقت قصير قبل أن يتحول المسجد إلى ركام.

وصل الخلاف ذروته في عام 1992 عندما قام حشد من الهندوس بهدم مسجد بابري
AFP
وصل الخلاف ذروته في عام 1992 عندما قام حشد من الهندوس بهدم مسجد بابري

وقال المصور برافين جاين إن الحشد هاجم الصحفيين الذين كانوا يغطون المناسبة وحطموا كاميراتهم من أجل محو أي دليل على هدم المسجد.

وفي غضون ساعات، اندلعت صدامات دامية بين الهندوس والمسلمين في مناطق متعددة من الهند. وشهدت مدينة مومباي أشد هذه الصدامات دموية، إذ قتل فيها نحو 900 شخص.

ما هي التهم؟

وجهت إلى زعماء حزب بهاراتيا جاناتا الثلاثة تهمة "إلقاء خطب تحريضية أدت في نهاية المطاف إلى هدم المسجد وخلق العداء بين الهندوس والمسلمين وتحريض العامة على القيام بأعمال عنف وتهديد السلم الأهلي".

يذكر أن مكتب التحقيقات المركزي الهندي، الذي حقق في القضية، دأب على التأكيد بأن هدم المسجد خطط له سلفا.

وضع نارندرا مودي حجر الأساس لمعبد هندوسي في موقع مسجد بابري
Reuters
وضع نارندرا مودي حجر الأساس لمعبد هندوسي في موقع مسجد بابري

وخلصت لجنة تحقيقية رأسها إم إس ليبرهان، وهو من قضاة المحكمة العليا السابقين، إلى الاستنتاج ذاته بعد 17 سنة، حسب ما جاء في تقارير صحفية هندية.

كما قال زعماء مسلمون إن أدفاني - الذي كان يتزعم المعارضة آنذاك - هو الذي خطط لهدم المسجد.

لماذا يتسم القرار بكل هذه الأهمية؟

تعمقت الانقسامات الاجتماعية والدينية في الهند منذ اعتلاء حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة نارندرا مودي سدة الحكم في عام 2014. وتعالت الدعوات لتشييد معبد هندوسي في المكان الذي كان يقوم عليه مسجد بابري بشكل كبير إلى أن منحت المحكمة العليا الأرض المتنازع عليها للهندوس في العام الماضي.

وأدت القيود على بيع وذبح البقر - وهو حيوان يقدسه الهندوس - إلى مقتل عدد من الناس، جلهم من المسلمين، الذين كانوا ينقلون البقر من مكان إلى آخر.

وهزّت الهند في العام الماضي احتجاجات ضد قانون مثير للجدل للجنسية يمنح الجنسية الهندية لمواطنين غير مسلمين حصرا من ثلاث دول مجاورة. وتقول الحكومة التي يرأسها حزب بهاراتيا جاناتا إنها مصممة على حماية الأقليات في تلك الدول الثلاث من الاضطهاد الذي تقول إنهم يتعرضون له.

ولكن كثيرا من المسلمين الهنود يخشون أن يجردهم هذا القانون من جنسيتهم، وذلك عقب إعلان الحكومة عن خطط "لتطهير البلاد من المتسللين" من البلدان المجاورة ما لم يكون بحوزتهم وثائق تثبت أن أجدادهم كانوا يعيشون في الهند.

ولكن مودي يصر على أن القانون "لن يكون له أي تأثير سلبي على المواطنين الهنود، بمن فيهم الهندوس والمسلمون والسيخ والمسيحيون والبوذيون واليانيون".