ريو دي جانيرو: تنشغل فالنتينا (13 عاماً) بمتابعة الحصص الدراسية عبر الإنترنت، بينما يبيع غوستافو المانغو في السوق، مع أنه من السن نفسها، في مشهد يعكس انعداما في المساواة في مجال التعليم في البرازيل فاقمته جائحة كوفيد-19.

وكتبت فانيسا كافالييري، وهي والدة فالنتينا وقاضية أحداث، في منشور على "فيسبوك" أعاد الآلاف من مستخدمي الشبكة نشره على صفحاتهم "لم يتلق غوستافو دروساً منذ 16 آذار/مارس. إنه يساعد والده في بيع الفاكهة في ثلاث أسواق مختلفة بدلاً من الذهاب إلى المدرسة".

وتلاحظ كافالييري أن "التفاوت الكبير أصلاً بين تلاميذ المدارس الخاصة وأقرانهم في المدارس الرسمية آخذ في الاتساع أكثر فأكثر"، موضحة أنها تعمدت في منشورها تغيير الاسم الأول للصبيّ حفاظاً على خصوصية هويته.

ولا تضم المدارس الخاصة في البرازيل سوى 19 في المئة من مجمل التلاميذ، هم أبناء العائلات الميسورة، في حين يتابع الآخرون تعليمهم في المدارس الحكومية، وسط ظروف سيئة في غالب الأحيان.

وكان السود والفقراء الأكثر تضرراً من جائحة كوفيد-19 بين سكان البرازيل البالغ عددهم 212 مليون نسمة ، علماً أن هذا البلد هو الثاني من حيث عدد الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا بعد الولايات المتحدة ، وقد تجاوز 144 ألفاً.

ولا يزال معظم المدارس مغلقاً، على الرغم من ضغوط بعض المدارس الخاصة لاستئناف الدراسة.

وقالت أخصائية التربية في جامعة برازيليا كاتارينا دي ألميدا سانتوس لوكالة فرانس برس "هذا الوضع معقد في كل البلدان ، ولكن في البرازيل ثمة ظروف معينة تزيد من تعقيد الأمور".

وترى سانتوس أن "فكرة إعطاء التلاميذ الفقراء دروساً عبر الإنترنت مجرّد وهم، فهم لا يملكون التجهيزات المناسبة وليس لديهم اتصال بالإنترنت".

لكنّ إعادة فتح المدارس الرسمية فيما تستمر الجائحة يمكن أن يتسبب بالكثير من المشاكل الصحية.

وتلاحظ سانتوس أن مدارس حكومية عدة "تفتقر إلى مياه الشفة وإلى دورات المياه والتيار الكهربائي، وأكثر من 40 في المئة منها غير موصولة بشبكة الصرف الصحي، وفي ظروف كهذه ثمة خطر بزيادة كبيرة في عدد الإصابات".

وعلى غرار الكثير من الأهل، تجد سينثيا بيرغولا، وهي مساعِدة اجتماعية وأم عزباء في ساو باولو ، صعوبة بالغة في مساعدة أولادها على حضور الدروس عبر الإنترنت، إذ يتعين عليها في الوقت نفسه أن تواصل عملها وأن تعتني بمفردها بالأعمال المنزلية.

وقالت بيرغولا لوكالة فرانس برس "أعتبرها فترة إجازة، فقد أمضيت المزيد من الوقت مع أولادي، ولكن من حيث التعلم، التجربة فاشلة".

وتكشف جوليانا ستيفاني إيواميزو، وهي معلمة في مدرسة ابتدائية حكومية في ساو باولو، أن عشرة في المئة من طلابها بالكاد يتمكنون من أخذ دروس عبر الإنترنت.

وتقول "يعيش الكثير منهم في أحزمة البؤس الفقيرة، وليس لديهم مياه جارية في المنزل ويعتمدون غالباً على المقصف لتناول الطعام. لذلك بالطبع ليس لديهم إنترنت".

والوضع ليس أفضل بكثير في القطاع الخاص ، إذ ثمة ارتباك كبير في ما يتعلق بمعاودة الدراسة.

وتتمتع هذه المدارس في الأوضاع الطبيعية بإمكانات أكير من تلك التي تتوافر للمدارس الرسمية، لكنّ نصفها تقريباً على وشك الإفلاس، إذ يمتنع الأهل عن دفع الأقساط الشهرية، على ما أفادت دراسة حديثة.

ويفاقم فوضى هذا الوضع عدم وجود سياسة مدروسة في هذا المجال لدى حكومة الرئيس اليميني المتطرف جايير بولسونارو.

ويأسف أستاذ الكيمياء في إحدى المدارس الخاصة في ريو لكون "كل مدرسة تستخدم منصتها الخاصة على الإنترنت ، وتعتمد استراتيجيات مختلفة لإدارة طلبات الطلاب". ويضيف "لا نتلقى أي توجيهات من برازيليا، ولدينا انطباع بأن التعليم هو عدو للحكومة" .

وعندما تحولت إعادة فتح المدارس الخاصة في ريو، التي كانت مقررة مبدئياً في 15 أيلول/سبتمبر، إلى مأزق قانوني، كانت النتيجة زيادة الارتباك، بسبب الإعلانات المتناقضة والأحكام المتكررة بإلغاء عودة التلاميذ إلى الفصول الدراسية.

وأبقى آخر قرار اتخذه القاضي بيترسون باروسو سيماو كل المدارس مغلقة، انطلاقاً من مبدأ تكافؤ الفرص، وتفادياً لاعطاء تلاميذ المدارس الخاص فرصة للتعلّم لا يملكها تلاميذ المدارس الرسمية.

ونص الحكم الذي أصدره على أن أي خطوة من هذا النوع "لن تؤدي إلا إلى زيادة عدم المساواة".

لكنّ محكمة الاستئناف فسخت قرار القاضي الخميس، وأجازت معاودة الدروس، إلا إذا حصلت مفاجأة قضائية جديدة.