فرضت الجائحة نفسها على حياة البشر، فغيرت وبدلت، لكن التغيير الأكثر بروزًا هو الذي طال مستقبل الملايين من الطلاب في العالم، إذ صار التعليم عن بعد هو الخيار المتاح، والذي يبدو أنه ليس ناجحًا حتى الساعة.

إيلاف من بيروت: يبدو أن لا لقاح قريبًا لكورونا، ويبدو أن التعليم عن بعد لن يكون خيارًا بين خيارات، إذ ربما يكون خيارنا الوحيد لتعليم أولادنا، كي لا يفقدوا سنةً من أعمارهم، إن لم يكن أكثر.

لكن.. سألت إيلاف القارئ العربي: "كيف تقيم التعليم عن بُعد في مواجهة كورونا؟" قال 77 في المئة ممن شاركوا في استفتاء "إيلاف" إنه فاشل، في مقابل 23 في المئة قالوا إنه ناجح.

للفشل أسبابه

ثلاثة أسباب للفشل الذي يلاقيه التعليم عن بعد اليوم، تفندها لينا فرنسيس، مديرة مدرسة Goodwill International School في لبنان، وهي الأولى التي اعتمدت المنهج الفنلندي في التعليم: "الأول متعلق بالهيئة التعليمية التي لم تكن مستعدة لمسألة التعليم عن بعد حين فاجأتنا كورونا، فهذه الهيئة التعليمية لم تتلقَ التدريب اللازم كي يعمل الأستاذ بطريقة فاعلة، وكي يستفيد من التقانة الجديدة المتاحة في مجال التعليم، كما أن أغلبية العاملين في الحقل التعليمي في العالم العربي، حيث التعليم عن بعد لم يكن خيارًا مطروحًا، لا تتقن طريقتي التعليم المتزامن (synchronous) أي التفاعلي الحاصل في الزمن الحقيقي لعملية التعليم، وغير المتزامن (asynchronous)، أي الذي لا يحصل بالضرورة في الزمن نفسه".

الثاني، بحسب فرنسيس، متعلق بالأهالي ووجودهم الدائم لمراقبة أولادهم، "ففي الفئة العمرية تحت ثمانية أعوام، التعلم عن بعد يستدعي وجود الأهالي إلى جانب أطفالهم، لكن في حالة الوالدين العاملين هذا يبدو صعبًا، وبالتالي يؤثر على قدرة التلاميذ على مجاراة المناهج التعليمية المقدمة عن بعد".

تضيف فرنسيس لـ "إيلاف": "أما السبب الثالث فمتعلق بالتلاميذ أنفسهم، ففي الفئة العمرية الأكبر، ثمة مسألة التسرب المدرسي الافتراضي إن لم يكن إشراف الأهل موجودًا في كل الأوقات، والأستاذ لم يعد قادرًا على فرض هيبته والتحكم بصفه، إضافة إلى أن التلاميذ يفقدون اهتمامهم بالمادة. يضاف إلى كل ذلك أن البنية التحتية اللازمة للتعليم عن بعد غير متاحة، في لبنان كما في أغلبية الدول العربية".

الحلقة العاطفية مفقودة

بحسبها، التعليم عن بعد ألغى ما يسمى التعلم الاجتماعي والعاطفي (social and emotional learning)، "وهو الذي يؤمن التفاعل بين المعلم والتلميذ كما بين التلاميذ أنفسهم، ويتيح لهما فرصة التعارف التي تعمق الصلة بينهما، ويسهل عملية تلقي التلميذ المعلومة من معلمه. اليوم، في أغلبية الحالات، لا يعرف الأستاذ تلاميذه، فهو إن رآهم، يراهم من خلال الشاشة لا أكثر، خصوصًا مع استئناف الدراسة في سنة دراسية جديدة".

في لبنان، الوضع في بداية العام الدراسي الجديد أفضل مما كان عليه في العام الماضي. تقول فرنسيس لـ "إيلاف": "المدارس تسلحت بجهوزية أكبر في هذا المجال، كما تحضرت الهيئة التعليمية من خلال دورات تدريبية مكثفة خضع لها المعلمون والمعلمات في الصيف. إلى ذلك، لقي الأمر قبولًا عند الأهالي، وتفهموا الأمر أكثر، لأنه صار أمرًا واقعًا".

إلا أن المدارس الحكومية تواجه الكثير من الصعوبات في هذا المجال، خصوصًا من الناحية الاقتصادية، لأن تأمين مستلزمات التعليم عن بعد مسألة مكلفة تتخطى قدرات الأهالي.

ثمة نجاح في مكان ما

ترى فرنسيس أن ثمة تجارب نجحت في التعليم عن بعد، "وهي التجارب المعمول بها في دول اعتادت هذا النوع من التعليم، حتى من قبل أزمة كورونا والحجر الذي فرضته الجائحة، مثل الولايات المتحدة وكندا وبعض دول أوروبا، حيث خيار التعليم عن بعد متاح، إلى جانب التعليم الحضوري، خلافًا لدول العالم العربي حيث لم يكن هذا الأمر مطروحًا، لذا لم تصمم المناهج العربية لتلائم هذه الطريقة في التلقين"، لافتةً إلى تجربتين عربيتين فتيتين، في الأردن والإمارات، لتعليم اللغة العربية عن بعد.

لإنجاح هذه التجربة، ما دام التعليم عن بعد سيطول، حتى لو عاد التلاميذ إلى مدارسهم، تضع فرنسيس بعض الخطوط العريضة التي تحدد مسار هذه الطريقة في المستقبل. تقول لـ "إيلاف" إن على المؤسسات التربوية أن تعتمد المناهج المرنة، خصوصًا في برنامج التعليم، "مع ضرورة الموازنة بين طريقتي التعليم المتزامن وغير المتزامن، وتمرين المعلمات والمعلمين على الطرق الجديدة في التلقين والتعليم، التي تقوم على تقديم المعلومة بصيغة سهلة سريعة الفهم، لا تستغرق وقتًا طويلًا في شرحها، كي لا يفقد التلميذ اهتمامه بالمادة التي يتلقاها، وعلى جذب اهتمام التلاميذ بشكل دائم، وتحفيزهم على المشاركة".

تختم فرنسيس: "على المؤسسات التعليمية تسليح هيئاتها التعليمية بمزيج من الوسائل والمصادر التعليمية التفاعلية، وتعميم فكرة قياس الاستجابة بشكل مستمر، واعتماد مقاربة تفرض تعاون الثلاثي التعليمي، أي الأستاذ والتلميذ والأهل".