إيلاف من الرباط: بهدف تعزيز ثقافة الترقب والرفع من قدرات المستفيدات والمستفيدين المنتمين لجمعيات المجتمع المدني في مجال التخطيط الاستراتيجي من خلال الفرضيات، ينظم مركز “ ايسيسكو" للاستشراف الاستراتيجي بشراكة مع مؤسسة كونراد أديناور والمنتدى المتوسطي للشباب بالمغرب، دورة تدريبية بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية بأصيلة، يومي الجمعة والسبت، لفائدة "الجهات الفاعلة في المجتمع المدني"، في موضوع "التخطيط الاستراتيجي من خلال الفرضيات في خدمة صنع القرار".

وتأتي هذه الدورة التدريبية في إطار برنامج الشراكة الذي يجمع مؤسسة كونراد أديناور ومركز ايسيسكو للاستشراف الاستراتيجي، والذي يهدف إلى تنظيم دورات تدريبية لصالح الجامعات والشركات والأطراف الفاعلة في المجتمع المدني في المغرب وعدة دول من الدول الأعضاء في منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة.

التقليل من المخاطر

تروم الدورة التدريبية، حسب بيان للمنظمين، تلقت "إيلاف المغرب" نسخة منه، تقديم طرق وأدوات الاستشراف الاستراتيجي مع التطرق إلى جوانبه وخصائصه المختلفة، من قبيل المقاربة الواجب اعتمادها من قبل صانع القرار والمجال العملي للاستشراف؛ حيث تجمع الأطراف المنظمة لهذه الدورة التدريبية على آنية هذا الموضوع في ظل الوضعية الوبائية التي يشهدها العالم اليوم، والتي زادت من تفاقم الأوضاع على جميع المستويات.
في سياق ذلك، يضيف البيان، يفرض التخطيط الاستراتيجي نفسه كبديل قوي أمام الأساليب الكلاسيكية؛ حيث ستتعرف الفئة المستهدفة من هذه الدورة التدريبية على كيفية استشراف السيناريوهات المستقبلية الممكنة من أجل التوصل إلى وسائل لدعم اتخاذ القرار الاستراتيجي في مختلف المجالات مع التقليل من المخاطر المستقبلية.

منهجية الاستشراف

يتضمن برنامج الدورة التدريبية، التي ينتظر منها أن تمنح المشاركات والمشاركين "إمكانية تبني أدوات إعداد السيناريوهات"، فيما يؤطرها الدكتور قيس الهمّامي ، مدير مركز ايسيسكو للاستشراف الاستراتيجي وخبير دولي في الاستشراف وعلوم المستقبل، أربع جلسات وثلاث ورشات وحلقات عمل.
فعلى صعيد الجلسات، تقترح أولاها "مقدمة عامة" و"مقدمة حول منهجية الاستشراف"، فيما الثانية افتتاحية تتضمن كلمات ياسين إيصبويا، المنسق العام للمنتدى المتوسطي للشباب بالمغرب، ومحمد بن عيسى، رئيس بلدية أصيلة، وستيفن كروجر مدير مؤسسة كونراد أديناور في المغرب، وسالم بن محمد المالك ، مدير عام منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة – ايسيسكو، فيما تتضمن الثالثة تقديما لحزمة أدوات الاستشراف الاستراتيجي وعرضا تطبيقيا لتمارين ذات طابع استشرافي، على أن تختم الرابعة أشغال الدورة. وتشتمل الورشات وحلقات العمل على ورشة حول عوامل التغيير والجمود وورشة الأفكار المسبقة وورشة حول بناء السيناريوهات، تتوج باستعراض النتائج.

درس ابن خلدون

انطلقت أرضية هذه الدورة التدريبية، من لجوء ابن خلدون (1332 - 1406) إلى مفهوم "الممكنات" لتوصيف تصوره للتاريخ؛ هو المؤرخ الذي يقدم لنا، في الواقع، من خلال عوامل موضوعية مختلفة "فرصة للتمييز بين مجالات ما هو ممكن وما هو مستحيل حتى يتسنى لنا أن نفهم ما حدث في الماضي".
وترى أرضية الدورة أنه "يمكن تصريف هذا الماضي في صيغة الجمع لأن مجال الاحتمالات لا يمكن أن يكون واحدًا. لذلك، فإن الماضي جمع وليس مفردا، حيث يكمن داخله تعايش الممكن والمستحيل، والمحتمل وغير المحتمل، إذن، يعود الأمر إلى الأمس، إلى المؤرخ، واليوم إلى المستشرفين لاستبعاد الوقائع التي تكمن في نطاق المستحيل والاحتفاظ فقط بالحقائق التي تكون عقلانيًا ممكنة من أجل القيام بتشخيص جيد للماضي وبالتالي استباق المستقبل بشكل أفضل".
وبعد ستة قرون من وفاته، تضيف أرضية الدورة، يعتبر ابن خلدون مفكرًا ثوريًا ونذير عصره، هو الذي يهيمن على زمانه في عظمته، وهو بالتأكيد، يصنف ضمن بوتقة المفكرين المرموقين، الأكثر انفتاحًا على المستقبل من خلال توجيهه للتاريخ بشكل واضح نحو نهج الاستشراف.

استشراف استراتيجي
أوضحت أرضية الدورة أن "التخطيط الاستراتيجي من خلال الفرضيات" هو "تفكير يدور حول المستقبل الذي يكون هدفه الحاضر. يتم تحديد إمكانياته من خلال مراعاة خصوصيات السياق الذي ينشئ فيه النظام المدروس". ورأت أن "طرق وأدوات الاستشراف الاستراتيجي لها جوانب وخصائص مختلفة"، قبل أن تتساءل: "ما هي المقاربة التي يجب اعتمادها من قبل صانع القرار؟ أيّ مجال عملي للاستشراف؟".
وشددت أرضية الدورة على "تغير السياق في بيئة سريعة التطور" تتطلب من المؤسسات، مهما كان نوعها أو مجال عملها، "إعادة التفكير في أسلوب إدارتها وتكيفها مع جملة المتغيرات المفروضة عليها". وبالتالي"بروز حاجة ملحة لاتباع الممارسات الجيدة"؛ وذلك من منطلق أن الاستشراف، يمثل "تحديدا للآفاق المستقبلية وسبل العمل الاستراتيجي الممكنة والتدقيق فيها من خلال نهج استشرافي يركز على رهانات التنمية الممكنة للنظام المدروس في أفق زمني محدد"؛ ويمكن، بالتالي، من "الاستعداد لمواجهة التحديات التي تم من خلاله استباق ظهورها". لكن، هذا "العمل الاستكشافي لملامح المستقبل يكون ذا أهمية حقيقية، فقط عندما يؤدي إلى التساؤل ليس فقط حول المستقبلات الممكنة، ولكن حول المستقبل المرغوب فيه، أو، بشكل أوضح، حول مجال تدخل الأطراف الفاعلة وشركائها، والأهداف المرغوب فيها". ولذلك، فإن "كل منهج استشرافي يحيلنا على جانبين في غاية الأهمية: يتمثل أحدهما في استباق واستكشاف المستقبل الممكن لمختلف القضايا، والآخر في التفكير الاستراتيجي حول المستقبل المرغوب فيه".
وفي الواقع، تضيف أرضية الندوة، فإن الاضطرابات الحالية التي يعرفها العالم، والتي زادت من خلال الأزمة الصحية العالمية، أدت إلى "التشكيك في نجاعة الأساليب التقليدية للتخطيط الاستراتيجي". وبالتالي، فإن "الاستشراف الاستراتيجي يجعل من الممكن التنبؤ بالسيناريوهات المستقبلية الممكنة من أجل التوصل إلى وسائل لدعم اتخاذ القرار الاستراتيجي في مختلف المجالات، كما يمكن من تقليل المخاطر المستقبلية".