توافد الالاف من المتظاهرين العراقيين على ساحات الاحتجاج في العاصمة ومحافظات خارجها ليل السبت إحياء للذكرى الاولى لـ "ثورة تشرين" التي يحييها ملايين العراقيين الاحد، وسط تفاهمات غير مكتوبة بين المتظاهرين على سلمية احتجاجاتهم والسلطات بمنع مواجهتهم بالعنف. في المقابل، أكد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على وجوب ضبط النفس وعدم استخدام الاسلحة النارية والتعامل باحترام مع المتظاهرين الذين دعاهم الى عدم الاحتكاك مع القوات الأمنية.

إيلاف من لندن: منذ وقت مبكر من مساء السبت بدأ آلاف العراقيين بالتدفق على مراكز التظاهرات في ساحة التحرير وسط بغداد ومراكز المحافظات الوسطى والجنوبية، رافعين الاعلام العراقية وهاتفين لاستمرار "الثورة" وتجديد مطالب الشعب بالتغيير.

من جانبها، انتشرت قوات حفظ النظام في الساحات والشوارع العامة وخاصة حول المنطقة الخضراء الحكومية المحمية وسط بغداد لمنع أي محاولات لاختراق المنطقة. كما أحاطت قوات الجيش بمداخل المنطقة وأمام مقر الأمانة العامة لمجلس الوزراء ومجلس النواب والقصور الرئاسية فيما انتشرت قوات الأمن في شارع أبو نؤاس والشوارع الفرعية القريبة من ساحة التحرير.

منع استخدام الاسلحة بمواجهة المتظاهرين
وعشية انطلاق التظاهرات، اكد الكاظمي اصداره أوامر مشددة لحماية المتظاهرين داعيا اياهم الى الحفاظ على سلمية احتجاجاتهم. وقال الكاظمي في كلمة متلفزة تابعتها "إيلاف" اننا "نستعيد الذكرى الخامسة والعشرين من أكتوبرلنُذكِّرَ أنفسَنا بأنّ للشعبِ حقوقاً أصيلةً ، وصوتاً واضحاً وموقفاً شجاعاً ورؤية، وأنّ وظيفةَ الحاكمِ هي الاستماعُ إلى صوتِ شعبِه". واشار الى أنّ "الحَراكَ الاجتماعيَ العراقي قد وضعَ خريطةَ طريقٍ أقرَّ بها الجميعُ، ونحن ماضون فيها حيث تشكلتْ هذه الحكومةْ وهي تضعُ نُصبَ عينها أنْ تكونَ معبّراً لإرادةِ الشعب. انّنا حكومةٌ هدفُها الأساسيُ هو التحضيرُ لانتخاباتٍ حرّةٍ نزيهةٍ وعادلة ونعمل على أن تراقب منظماتٌ ومؤسساتٌ دولية هذه الانتخاباتِ لضمان المزيدِ من الشفافيةِ والنزاهة".

نص كلمة الكاظمي

واضاف الكاظمي "قلنا إنّنا سنخطو خطواتٍ واسعة في مواجهةِ الفسادِ وفعلنا، وللمرّةِ الأولى يتمُّ تجاوزُ كلَّ الاعتباراتِ المكوناتية وتحديات نفوذ البعض لفتحِ أكثرَ من ثلاثين ملفَ فسادٍ كبير، إذ كان مستحيلاً فتحُه سابقاً وجلبنا المتورطينَ في تلك الملفات بالقانون".

واوضح قائلا "في مثلِ هذا اليوم وقفَ العراقُ وللأسف على حافةِ حربٍ إقليميةٍ ودوليةْ، كادتْ أن تحدثَ على أرضهِ، وقد عملنا بهدوءٍ ودبلوماسيةٍ على جمعِ الدعمِ، لاستعادةِ وزنِ العراقِ وحجمهِ الدولي وعدمِ السماحِ مجدداً بالانزلاقِ إلى الصراعِ نيابةً عن غيرِهِ أو الاعتداءِ على الغير وحققنا الكثيرَ من التقدمِ عبرَ الحوارِ الإستراتيجي مع الولاياتِ المتحدة، لتثبيت السيادةِ الوطنية، مثلما حققنا التقدمَ نفسَه عبرَ الحوار ِالصريحِ مع جيرانِنا ومع أصدقائنا وفقَ قاعدةِ (مصلحةُ العراق أولاً).

واشار رئيس الوزراء العراقي الى اصداره أوامرَ مشددةً بحمايةِ المتظاهرين الذين دعاهم إلى الحيطةِ والحذر من محاولاتِ من أصابهم الخبثُ وانعدامُ الوطنية، في سعيهم إلى إخراجِ التظاهراتِ عن سلميتِها أو جرِّها إلى الصدامِ مع الأجهزة الأمنية أو الإضرارِ بالأموالِ العامةِ والخاصة، في محاولةٍ لدفعِ هذه الأجهزة إلى الدفاعِ عن نفسِها وعن مؤسساتِ الدولة، وطالب المتظاهرين بتشكيلِ أطواقٍ بشريةٍ للحفاظِ على سلميةِ التظاهر.

وشدد الكاظمي بالقول"لن نستسلمَ أبداً لأنصارِ اللادولةِ من أتباعِ هذه الجهةِ أو تلك، أو المتضررينَ من هذه المرحلة في محاولتِهم المستمرة لتجريدِ التظاهرِ السلمي من جوهرِهِ وزرعِ العابثينَ والانتهازيينَ والمجرمينَ ومثيري الفتن في صفوفِه بعد أن فشِلوا في اختطافِ الدولةِ عبرَ السلاحِ المنفلتِ سيحاولونَ ذلك باستغلالِ صوتِ الناسِ ومظالمِهم. من فشِلوا في قيادةِ البلدِ ودفعوا به إلى حافّةِ التقسيمِ والحربِ الأهليةِ وداعش الإرهابي وحولوه إلى ساحةِ صراعٍ إقليميّةٍ ودولية ولم يحفظوا الدماءَ ولم يصونوا الأمانةَ أولئك لن نسمحَ لهم باختراقِ صفوفِ مطالبِ شعبِنا، وزرعِ القطيعةِ من جديد بينَ الدولةِ والشعب ".. واضاف قائلا "نستذكرُ بكثيرٍ من الاعتزازِ شهداءَ تشرينَ وجرحاها والأصواتَ الهادرةَ التي نادتْ (نريدُ وطنا)".

تحذير من محاولات تخريب الانتفاضة
من جانبها، حذرت "اللجنة المنظمة لمظاهرات ثورة تشرين" مما اسمتها "بأحزاب المنطقة الخضراء المنبوذة وميليشياتها المجرمة" من مغبة الاندساس بين المتظاهرين السلميين بقصد القيام بأعمال تخريبية وتحريضية تسيء الى سلمية مسيرتهم المليونية ولتحريض القوات الامنية لاستخدام العنف المفرط ضدهم لغرض افشال ثورتهم الكبرى؛ ان منهج المنتفضين سيبقى سلميا ولن ينجروا الى أي محاولات مشبوهة من ذلك القبيل".

متظاهرو بغداد يتدفقون على ساحة التحرير مساء السبت

وأكدت اللجنة في بيان صحافي حصلت "إيلاف" على نصه، على "ضرورة الالتزام التام بسلمية المظاهرات وعدم التعرض للممتلكات العامة والخاصة، وشددت على حرصها على امن وسلامة السفارات والبعثات الاجنبية وتود ان تطمئنها بأن المحتجين سيحافظون على سلمية احتجاجاتهم".

وأهابت اللجنة بجميع العراقيين للخروج اليوم "بزخم عالي ومدوٍ حاملين علم العراق من اجل استعادة بلدنا العزيز من براثن الطغمة الفاسدة القابعين في منطقة النهب والفساد، ولا تراجع حتى تحقيق مطالب الثوار وما النصر الا من عند الله .. المجد والخلود لشهدائنا الابرار، والشفاء العاجل لجرحانا، والحرية للمغيبين قسرا في سجون الميليشيات ".

حماية المؤسسات والبعثات الدبلوماسية ومنع حمل السلاح
وقبل ساعات من انطلاق التظاهرات، ترأس الكاظمي اجتماعا استثنائيا للمجلس الوزارس للامن الوطني خصص لمناقشة إجراءات حماية التظاهرات.

وأكد المجلس في اجتماعه بحسب بيان رسمي تابعته "إيلاف" أحقية "التظاهر السلمي وفقاً للحريات التي نص عليها الدستور وأهمية حماية الممتلكات العامة والخاصة في الأماكن التي تجري فيها التظاهرات".

كما شدد على" توجيهات القائد العام للقوات المسلحة بتأكيد مساحة عمل كل جهاز أمني وواجبات كل صنف من صنوف القوات الأمنية".. فيما ركز الاجتماع أيضاً على" أهمية "تحلي القوات المسلحة أفراداً وتشكيلات، بروح الانضباط العالي والمهنية والاختصاص تنفيذاً لواجبها المقدّس بتوفير الحماية للجميع ورفض أي اعتداء على القوات الأمنية".

كما بيّن المجلس" أهمية التزام المتظاهرين بالتظاهر السلمي والانضباط والتعاون مع القوات الأمنيةوهو ما سيمكّن صوت المتظاهرين من الوصول إلى مقصده ويوفر لأبنائنا المتظاهرين أقصى الحماية والحرية في التعبير".

منع حمل السلاح والذخيرة الحية
من جانبها، أصدرت قيادة عمليات بغداد توجيهات بمنع حمل واستخدام الاسلحة والذخيرة الحية في مناطق التظاهرات وقالت القيادة في بيان تابعته "إيلاف" إنها اصدرت أوامر ملزمة لجميع القيادات والقطعات ومن دون استثناء بمنع حمل أو إستخدام الأسلحة والأعتدة الحية بكافة أنواعها في مناطق ساحات التظاهرات او المحيطة بها او على المقتربات المؤدية لهذه الساحات .

وتأتي تظاهرات اليوم الاحتجاجية احياء للذكرى الأولى لانطلاق التظاهرات الشعبية في البلاد التي اجتاحت العاصمة و9 محافظات وسطى وجنوبية في 25 اكتوبر 2019 مطالبة برحيل الاحزاب المتنفذة والقضاء على الفساد وتوفير الخدمات الاساسية وانهاء الهيمنة الايرانية على شؤون العراق، حيث أسفرت عن الاطاحة بالحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي وتشكيل حكومة جديدة برئاسة الكاظمي.

وكانت الحكومة العراقية اعلنت رسميا في نهاية يوليو الماضي ان العدد الكلي لقتلى الاحتجاجات الشعبية من المتظاهرين والقوات الامنية قد بلغ 560 ضحية، فيما شكل الكاظمي لجنة تحقيق في أعمال العنف متعهداً بتقديم المتورطين الى العدالة.