استهدفت طائرات روسية مقراً لفيلق الشام الموالي لتركيا في جبل الدويلة شمال غرب إدلب، فقتلت 78 مقاتلاً على الأقل وأصابت أكثر من تسعين، فيما لا يزال آخرون عالقين تحت الأنقاض.

بيروت: قتل 78 مقاتلاً على الأقل من فصيل سوري موال لأنقرة الإثنين جراء غارات شنتها روسيا على معسكر تدريب في شمال غرب سوريا، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان، في تصعيد هو الأعنف منذ سريان وقف لاطلاق النار قبل نحو ثمانية أشهر.

وتسري في إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة منذ السادس من آذار/مارس هدنة أعلنتها موسكو، حليفة دمشق، وتركيا الداعمة للفصائل المقاتلة بعد هجوم واسع لقوات النظام.

واستهدفت طائرات روسية، وفق المرصد، مقراً لفصيل "فيلق الشام" المقرب من تركيا في منطقة جبل الدويلة شمال غرب إدلب، ما تسبّب بمقتل 78 مقاتلاً على الأقل وإصابة أكثر من تسعين آخرين بجروح، فيما لا يزال آخرون عالقين تحت الأنقاض.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس "ما جرى هو التصعيد الأعنف منذ سريان الهدنة"، موضحاً أن حصيلة القتلى "تعدّ الأعلى في صفوف المقاتلين جراء ضربات روسية منذ بدء موسكو تدخلها العسكري في سوريا" نهاية أيلول/سبتمبر 2015.

والموقع المستهدف، وفق عبد الرحمن، هو مقر كان قد تم تجهيزه حديثاً كمعسكر تدريب، وتم قصفه فيما كان عشرات المقاتلين داخله يخضعون لدورة تدريبية.

وشيّع العشرات من سكان مدينة إدلب عدداً من القتلى، وفق ما شاهد مصور متعاون مع فرانس برس. وحُملت نعوشهم على الأكف بينما كان أحد المقاتلين يطلق النار في الهواء.

ويشكل "فيلق الشام" الاسلامي مكوناً رئيسياً في الجبهة الوطنية للتحرير، تجمع للفصائل المعارضة والمقاتلة في إدلب. واندمجت الجبهة قبل عام مع فصائل "درع الفرات" الناشطة في شمال وشمال شرق البلاد تحت مظلة "الجيش الوطني" الذي تدعمه تركيا.

ونعت الجبهة الوطنية للتحرير في بيان "عدداً كبيراً" من عناصرها. ونددت ب"هذه الجريمة النكراء التي هي جزء لا يتجزأ من سلسلة جرائم العدوان الروسي"، متوعدة بالرد.

وقالت "نؤكد أننا لن نتوانى عن الرد الذي يذيق العدو نتيجة استخفافه بدمائنا".

ودانت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في بيان "مجزرة بحق أخواننا في فيلق الشام"، وندّدت بـ"استمرار النهج الروسي في إمعانه بقتل الشعب السوري".

أهداف عسكرية

وأعقب وقف اطلاق النار المستمر منذ آذار/مارس هجوماً شنته قوات النظام على مدى ثلاثة أشهر، تسبب بنزوح نحو مليون شخص، عاد منهم نحو 235 ألفاً إلى مناطقهم منذ كانون الثاني/يناير، غالبيتهم بعد وقف اطلاق النار.

ورغم خروقات متكررة، لا تزال الهدنة صامدة. وتنفذ روسيا بين الحين والآخر، وفق عبد الرحمن، غارات تطال ما تعتبره "أهدافاً عسكرية"، لم تستثن فصائل موالية لأنقرة. وتسببت الغارات بمقتل مدنيين أيضاً.

وتسيطر هيئة تحرير الشام حالياً على حوالى نصف مساحة إدلب ومناطق محدودة محاذية من محافظات حماة وحلب واللاذقية. وتنشط في المنطقة، التي تؤوي ثلاثة ملايين شخص نحو نصفهم من النازحين، أيضاً فصائل مقاتلة أقل نفوذاً.

وتتعرض المنطقة بين الحين والاخر لغارات تشنها أطراف عدة، آخرها قصف أميركي الخميس تسبب بمقتل 17 جهادياً بينهم قياديون في تنظيم متشدد مرتبط بتنظيم القاعدة، إضافة إلى خمسة مدنيين على الأقل، وفق المرصد.

وتعدّ منطقة إدلب من أبرز المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق، التي لطالما كررت رغبتها باستعادتها عن طريق المعارك أو التسوية.

وأبرمت موسكو وأنقرة اتفاقات تهدئة عدة، أعقبت سيطرة الفصائل المقاتلة عليها منذ العام 2015، أبرزها اتفاق سوتشي الموقع في أيلول/سبتمبر 2018.

وبموجب الاتفاق، نشرت تركيا 12 نقطة مراقبة في إدلب ومحيطها، طوقت قوات النظام عدداً منها. وأخلت أنقرة الشهر الحالي أكبر تلك النقاط قرب بلدة مورك في ريف حماة الشمالي، من دون ان تتضح أسباب ذلك.

ولم يصدر أي تعليق من أنقرة حول الانسحاب أو وجهة قواتها، خصوصاً أنها أكدت مراراً عدم رغبتها الانسحاب من أي من نقاط المراقبة التابعة لها.

وبينما يبرم البلدان اتفاق تهدئة في إدلب، يخوضان منافسة شرسة في دول عدة يدعمان فيها أطراف متخاصمة، أبرزها ليبيا وناغورني قره باغ.

رسالة إلى تركيا

يثير التصعيد الروسي في إدلب تساؤلات مراقبين عن توقيت الرسالة ومضمونها، خصوصاً أن "فيلق الشام" يعدّ فصيل أنقرة "المفضل" وسبق أن أرسل مقاتلين بشكل منظم إلى ليبيا، بينما توجه مقاتلون منه بصفة فردية الى ناغورني قره باغ، وفق المرصد.

وقال الباحث في مركز دراسات الحرب نيك هيراس لفرانس برس "تبعث روسيا برسالة إلى تركيا مفادها أن هناك عواقب تترتب على استخدامها الواسع لمقاتلي المعارضة السوريين في النزاعات التي توجد فيها روسيا وتركيا على طرفيّ نقيض".

بدوره اعتبر الباحث في جامعة أوكسفورد، صامويل راماني أن "انشغال تركيا حاليا بالنزاع في ناغورني قره باغ يمكن أن يحول دون رد مباشر من جانبها، ما من شأنه أن يجنّب إدلب تصعيدا جديدا"، لكنّه أكد أن "منسوب الخطر يبقى مرتفعا".

ورأى هيراس أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول إن "لديه القدرة على ضرب الفصائل السورية المفضلة لدى (نظيره التركي رجب طيب) إردوغان عندما يرغب داخل سوريا، ما لم تخفّض تركيا أنشطتها العسكرية ضد المصالح الروسية في النزاعات في ليبيا وسوريا وناغورني قره باغ".

وتشهد سوريا نزاعاً دامياً تسبب منذ اندلاعه قبل أكثر من تسع سنوات بمقتل أكثر من 380 ألف شخص وبدمار واسع في البنى التحتية، عدا عن نزوح وتشريد الملايين داخل سوريا وخارجها.

ولم تثمر جولات التفاوض التي رعتها الأمم المتحدة بين وفدي النظام والمعارضة منذ العام 2014 في التوصل الى تسوية للنزاع المدمر.

وقال الموفد الدولي الخاص الى سوريا غير بيدرسون، بعد لقائه وزير الخارجية السوري وليد المعلم في دمشق الأحد، إن "الشعب السوري يعيش فترة صعبة للغاية، يعاني خلالها".

وشدّد على أنه "بكل تأكيد، يوجد مخرج واحد لذلك، هو البدء بتنفيذ قرار مجلس الأمن والتركيز على العملية السياسية".

ويتولى بيدرسون، الذي قال إنه سيلتقي ممثلين للمعارضة، تسهيل جولات تفاوض في جنيف بين طرفي النزاع حول الدستور السوري.

وأمل الموفد الدولي من دمشق "إيجاد أرضية مشتركة أكثر حول كيفية دفع هذه العملية إلى الأمام" لتسوية النزاع.