إيلاف من الرياض: اعتذر الكاتب السعودي الدكتور تركي الحمد عن تغريدته التي كتبها قبل أيام حول كتاب "صحيح البخاري"، التي أثارت جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي دفاعًا عن أحد أبزر أئمة الحديث.

كتب الحمد على صفحته في تويتر: "البعض يظن أني أسيء لعَلَم الإسلام الإمام البخاري رحمه الله، وهذا فهم غير صحيح؛ فقد ننتقد شيئًا في تراثنا بصفة عامة؛ لكن مكانة البخاري وجهوده وتاريخه وإنجازاته، أمور لا يرقى إليها الشك أو القدح؛ فرحم الله البخاري، وجزاه خير الجزاء على جهده في خدمة الإسلام".

يعد الإمام البخارى واحدًا أهم علماء الحديث على مر التاريخ عند أهل السنة والجماعة، لكنه أيضًا أحد أكثر العلماء إثارة للجدل حتى الآن، رغم أن كتابه صحيح البخارى يعتبر فى رأى كثير من الفقهاء أصح كتاب بعد القرآن والسنة.

تغريدة الحمد أعادت للأذهان الجدل الذي أثاره العديد من الكتاب والمثقفين مع تزايد حالات التطرف الديني بضرورة مراجعة كتب التراث لديني مراجعة دقيقة وعرضه للنقاش .

لا قدرة على نقد متون الحديث

"إيلاف" التقت الدكتور أحمد المطرودي، الكاتب في الفكر واللغة والأدب، للحديث عن هذا الموضوع فقال: "بداية، الدكتور تركي الحمد اندفع للأمام في تغريدته بنقده الإمام البخاري وفي اعتذاره لاحقا تراجع أكثر من اللازم".

وعلق على مكانة السنة والأحاديث لدى المسلمين باعتبارها المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن، فرأى أنها في الواقع العملي في الفكر السني السلفي وخصوصا الحنبلي أصبحت في أحيان كثيرة هي المصدر الأول.

أضاف أن من شروط قبول الحديث – وفقا لما يراه المحدثون وورد في مصطلح الحديث - أن يسلم الحديث من الشذوذ (الرجال) والعلة القادحة، والعلة القادحة تكون في متن الحديث وتتحقق إذا خالف الحديث ما هو أصح منه، كما في حديث "أن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" الذي رُدّ لمخالفته قوله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، وهو مثال من أمثلة كثيرة أورده الشيخ محمد الغزالي في كتابه "الفقه بين أهل السنة وأهل الحديث" الذي صدر قبل ثلاثين عامًا تقريبًا، وأحدث أثارًا وردات فعل عنيفة؛ لأنّ فكرة الكتاب تقصر دور ومهمة أهل الحديث في جمع الأحاديث فقط دون البت في فهمها وكيفية الاستدلال بها؛ لأنهم ببساطة ليس عندهم القدرة على نقد المتون كالفقهاء (الأحناف).

رأى المطرودي أنه يلمس -وإن كان غير مختص - أن الحديث إذا صح سندًا أُخذ به، ولم يُلتَفت لمتنه ووجود علة فيه؛ مهما كانت من الطوام؛ كحديث الغرانيق المشهور "تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى" الذي يقر الشرك، وينسبه للرسول صلى الله عليه وسلم؛ فابن حجر يرى أن كثرة طرق الحديث دليل على أن له أصلا، وإن لم يصحح الحديث.

عن وصف البعض ردة الفعل تجاه تركي الحمد بالقاسية وعدم تقبل النقاش في التاريخ والتراث الديني قال المطرودي: "سبق أن طُرحت أفكار أكثر جرأة ولكن في كل مرة يخرج لنا جيل جديد يستفزه مثل هذا الطرح جيل بُرمِج على طريقة الجيل الذي سبقه، وما زال يمتلك طاقة أقوى للحضور والإنكار ، والاحتساب غير المقنَّن، كما أن ردود الفعل العاطفية لا يمكن التنبؤ بها بشكل دقيق؛ فقد يفلت منها الكارثي، وتتوقف عما هو أسهل وأبسط!".

النقد ليس للمتخصصين وحدهم

حول رأي بعض رجال الدين في أن مناقشة كتب التراث يجب أن تكون فقط للمتخصصين يرى المطرودي أنّ هناك نقدا من الداخل ونقدا آخر من الخارج، "وإذا كان النقد الداخلي هو ما يجعل العلوم متماسكة فإنّ النقد الخارجي ينطلق من نظرة أوسع، ويرقب تداخل أي علم مع العلوم الأخرى، ويخفف من تصورات بعض المختصين الذين يرون علومهم التي يشتغلون بها علوما نهائية، ويرون مصطلحاتها ومفاهيمها أدوات لازمة للنظر في كل العلوم والفنون؛ فمثلا المختص بالنحو التقليدي -مع أهمية علمه وعمله- لا يستغني عن معرفة الدراسات اللغوية المعاصرة، ولا بد أن يطلع على النظريات اللغوية، ومثله الفقيه والمفسر وغيرهم".

ختم المطرودي كلامه قائلًا: "ربما تكون هذه القداسة التي يخلعها المتلقون على صحيح البخاري متأخرة بعض الشيء، وأن الأولين لم يكونوا يتحسسون من نقده كما هو الآن، وأنه وقف على نقود قديمة وحديثة، تضع ذلك العمل المهم في خانته، دون انتقاص، ولا مبالغة في القدسية".

ولفت المطرودي إلى أن تدوين الحديث ومشروعيته مسألة اختلف فيها المتقدمون، ومعروف موقف عمر منها، ومن مرويات أبي هريرة الكثيرة. أضاف: "ربما رأى الأولون أو كثير منهم أن الأحاديث تعكس أول مرحلة تماس للنص القرآني مع التجربة البشرية، وأن ذلك جزء من واقعية النص القرآني واشتغاله على حياة الناس، وانشغالهم به".