جانغيايي: من على ارتفاع 400 متر، في أعلى أحد جبال الصين، ينزل عمال جمع القمامة بالحبال، كما يفعل "الرجل العنبكوت" مستعيناً بخيوطه، ويبقون معلّقين في الجو فوق الفراغ لينظفوا السفح من النفايات التي يرميها بعض السياح، ما دفع إلى إطلاق تسمية "الزبّالون السبايدرمان" عليهم.

يضع يانغ فيو خوذة واقية، ويلف جسمه بحزام ثم يلقي بحبل من فوق درابزين جسر زجاجي للمشاة، يمتدّ بين طرفَي جبل تيانمن في جانغيايي (وسط الصين).

لا يعرف الخوف طريقاً إلى قلب عامل النظافة البالغ 48 عاماً، فهو، على ما يقول بكثير من الثقة بالنفس، "معتاد على ذلك".

وبسترته البرتقالية اللون، وكيس القمامة الأسود على ظهره، يخطو فوق الدرابزين ليبدأ بالانحدار عشرات الأمتار.

بصبر، يلملم يانغ فيو النفايات العالقة على طول الجرف، وهو معلّق في الجوّ، لا ضمانة لحياته سوى حبل مثبت على الصخر بواسطة خطافات، ويمسكه أيضاً بإحكام زملاؤه الذي بقوا على الجسر.

وعندما يعود يانغ فيو من مهمته بهمّة سواعد رفاقه مدعومة ببكرة تعينهم على سحب الحبل صعوداً، يعدّد محتوى "غلّته" اليومية فيقول "سبق والتقطت قناني مياه، وأكياساً، ومناديل. وفي أيام المطر، نجد أيضاً بين النفايات المرمية معاطف قابلة للاستخدام مرة واحدة".

ويضيف "منذ بدء جائحة كوفيد-19، انضمت الكمامات هي الأخرى إلى اللائحة".

وقد نجحت الصين إلى حدّ كبير في احتواء كوفيد-19 منذ الربيع وعادت الحياة إلى مسارها الطبيعي. لكنّ كثراً من الصينيين يواصلون وضع الكمامات على سبيل الحماية، حتى في الطبيعة.

"ألم في اليدين"

ويروي يانغ فيو "في البداية، كانت يداي تؤلمانني كثيراً بعد يوم عمل، حتى أنني لم أكن أستطيع حمل عيدان تناول الطعام. أما الآن فأصبح الوضع أفضل بكثير".

واستحدثت إدارة جبل تيانمن في العام 2010 فريق عمال النظافة المميّز الذي ينتمي إليه يانغ، بهدف تنظيف المنحدرات من القمامة المتراكمة.

وتصف وسائل الإعلام المحلية هؤلاء العمال بـ"الزبّالين السبايدرمان"، في إشارة إلى البطل الأميركي الخارق "الرجل العنكبوت" القادر على التمسك بالجدران والتنقل في الجو، وفوق الفراغ، من مبنى إلى مبنى، بفض خيوطه العنكبوتية التي يمدّها.

وهذا اللقب "لطيف"، على قول يانغ الذي جمع مع زملائه نحو طنين من القمامة في عام 2020.

وينتشر في المناطق السياحية في الصين، حتى في الجبال، عدد كبير من الأكشاك أو محال البقالة حيث تباع السكاكر والمشروبات والمثلجات وسواها. وكل هذه المنتجات قد ترمى عبواتها وغلافاتها في الطبيعة.

تقدّم

ويشوب البطء أحياناً الوعي البيئي لدى بعض المواطنين الصينيين، ومن الشائع رؤية السياح يرمون قمامتهم على الأرض.

إلاّ أن الوضع يتغير بفضل حملات التوعية التي أُطلِقَت في المدارس وعبر وسائل الإعلام، وانتشار مستوعبات النفايات القابلة لإعادة التدوير في الأماكن العامة واعتماد الفرز الانتقائي في المدن الكبيرة.

ويقول نائب مدير التسويق في إدارة جبل تيانمن دينغ يون جوان "نلاحظ أن كمية النفايات آخذة في التراجع في السنوات العشر الأخيرة. قبل ذلك، كانت الحصيلة السنوية لعمال جمع القمامة لدينا تبلغ خمسة أطنان. لقد أصبح السياح أكثر تمدناً".

ويشرح أن "الكثير من هؤلاء بات يأخذ معه كيساً لوضع القمامة فيه قبل رميه في سلة المهملات".

واستقبل جبل تيانمن 4,7 ملايين زائر العام الفائت، لكنّ العدد تراجع بطبيعة الحال سنة 2020 بفعل الجائحة، ولم يتجاوز 1,9 مليون فحسب بين كانون الثاني/يناير وتشرين الثاني/نوفمبر.

أما يانغ فيو، فيؤكّد أنه مستعد للنزول بالحبل مجدداً لجمع القمامة، ما أن تدعو الحاجة.

ويقول "نحن نعمل في سبيل الحفاظ على جمال الموقع، لذلك لا يزعجني إطلاقاً أن أكدح قليلاً من تحقيق هذا الهدف.