أكدت أغلبية قرّاء "إيلاف" أن جائحة كورونا غيّرت موازين قوى واعتبارات العلاقات بين الدول، فما بعد كورونا ليس كما قبلها، والحرب الباردة المقبلة سترسي أنماطًا جديدة من العولمة.

إيلاف من بيروت: لم تنتهِ بعد جائحة كورونا، ليبتلي العالم بسلالة جديدة، يسميها بعضهم تندرًا بالسلالة البريطانية، تتفشى سريعًا لتضبط العالم مرة جديدة على وقع الخوف والعزل والسباق المحموم بين التفشي وموجات التلقيح.

سألت "إيلاف" القارئ العربي: "هل تعتقد أن فيروس كورونا فرض نمطًا جديدًا في العلاقات العالمية؟". أجاب 91 في المئة من المستجيبين لهذا الاستفتاء بـ "نعم"، في مقابل 9 في المئة قالوا "كلا".

من الغرب إلى الشرق

لا شك في أن الجائحة فرضت نفسها على كل جوانب الحياة، حتى على العلاقات بين الدول. تقول نورة الحفيان وسلطانة أدمين، في بحث عنوانه "أزمة كورونا والنظام الدولي: الانعكاسات والسيناريوهات"، نشره موقع المعهد المصري للدراسات، إن كورونا أفرز العديد من الفرضيات حول مآل التوازنات الدولية، "فهناك، من أقر بأن مراكز النفوذ والقوة ستتحول من الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأميركية إلى دول آسيوية على رأسها الصين، نتيجة ما أسموه نجاحها في تدبير أزمة كورونا في مقابل سوء التدبير وضعف الاستجابة الذي رافق الإدارة الأميركية والعديد من الدول الأوروبية".

تضيفان: "هذا ما أكده ستيفان والت، الذي أيد فرضية انتقال مركز القوة والنفوذ من الغرب إلى دول آسيوية، بسبب قدرة هذه الدول على النجاح بالسيطرة على الفيروس من خلال نهج استراتيجية فعالة في التعامل مع الأزمة، الأمر الذي سيقوي مكانتها ومركزها داخل النظام الدولي، في مقابل ضعف التعامل مع هذه الجائحة الفجائية من جانب الغرب الذي شهد أعلى معدلات الإصابة على مستوى العالم".

منافسات جيوسياسية حادة

بحسبهما، العولمة عملية لا تنتهي أبدًا وظهور تحديات عابرة للحدود مثل الأوبئة والكوارث البيئية يتطلب استجابات منسقة عالميًا، لكن ثمة من يقول إن النظام العالمي الناشئ "سيظهر منافسات جيوسياسية أكثر حدة بين القوى العظمى – وعلى الأخص بين الولايات المتحدة والصين – وإن درجة الاعتماد المتبادل فضلًا عن كثافة التفاعلات عبر الوطنية في جميع أنحاء العالم عالية جدًا لدرجة أن العودة إلى حقبة ما قبل العولمة أمر شبه مستحيل".

وأظهرت الأزمة أيضًا تراجع دور بعض التكتلات الإقليمية كالاتحاد الأوروبي كقوة توازن في النظام الدولي، بحيث اتسم تعامل دول هذا التكتل الإقليمي بالفردية والانعزالية في ظل أزمة كورونا، وواجهت أوروبا تحدياً كبيراً، خصوصًا مع تأثير أزمة بريكست

ما بعد الجائحة

من جانب آخر، يقول الدبلوماسي اللبناني السابق ميشال حداد، في مقالة عنوانها "العلاقات الدولية بعد جائحة كورونا لن تكون كما قبلها!"، نشرها موقع "أسواق العرب": "نحن أمام مرحلة جديدة سماتها المبدئية برأينا حرب باردة بنسخةٍ مختلفةٍ عن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية، لجهة مسرح المواجهة وموضوعها. طرفا هذه الحرب الباردة الجديدة الرئيسان هما واشنطن وبكين، وموضوعها إنهاء الزعامة الأحادية للولايات المتحدة على العالم".

وفقًا لحداد، مسرح هذه الحرب الباردة الجديدة ليس أوروبا، بحسب بعض المفكرين الأوروبيين، خصوصاً الفرنسيين، "إضافةً إلى دور متنامٍ لألمانيا ليس فقط على المستوى الأوروبي، إنما على المستوى الدولي، سوف يجعل منها لاعباً أساسياً في المعادلة الجديدة، من دون إغفال أهمية الانتقادات التي توجهها وأقلام الإعلاميين والمفكرين الأوروبيين لسياسات الولايات المتحدة إبان الحرب الباردة، وخلال مرحلة العَولمة، ومواقفها أخيراً إبان أزمة كورونا".

أميركا القائد دائمًا

إلى ذلك، وفي حوار مع موقع WBUR، يتحدث الدبلوماسي الأميركي ريتشارد هاس عن سياسة العزلة التي طبقتها أغلبية الدول في مواجهة انتشار فيروس كورونا، حيث يبرهن أن الانعزالية ليست خيارًا في ظل عالم معولم، وأن الدول ملزمة بأن تتعلم الدرس الذي مفاده أنها لا تستطيع عزل نفسها عما يجري في العالم.

وفي ما يتعلق بمفهوم القيادة الأميركية، يقول هاس: "السياسة الخارجية تتعلق بما يقوله و يفعله دبلوماسيونا وما يقوم به جيشنا. لكنه أيضًا المثال الذي نصبو إليه في الولايات المتحدة، ونوعية ديمقراطيتنا، وقوة اقتصادنا، والاستجابة، على سبيل المثال، لوباء معين. لذا فإن الآخرين ينظرون هكذا إلى الولايات المتحدة، والكثير من القادة – وأنا أتحدث إليهم طوال الوقت – يقولون في الأساس: نحن لا نعترف بهكذا أميركا. هذه ليست أميركا التي كنا نظن أننا نعرفها".

يتابع هاس: "لا يوجد أحد لديه القوة التي لدينا، والنفوذ الذي لدينا. لهذا لا أحد يستطيع أن يملأ موقعنا والولايات المتحدة هي القائد. الدول الأخرى ليست راضية بالوضع، إنها تفتقد للولايات المتحدة التي ساعدت لعقود على تنظيم العالم لمواجهة تحديات كثيرة".