باريس: يتجه عدد متزايد من مواطني العالم إلى المحاكم لحل النزاعات البيئية، في ظل تنامي الغضب إزاء تلكؤ الحكومات في التصدي للتغير المناخي أو السعي للحد من الأضرار البيئية الناجمة عن مشاريع الشركات الكبرى.

ازدياد كبير في القضايا

أحصت قاعدة بيانات "سابين سنتر فور كلايمت تشاينج لاو" أكثر من 1700 قضية مرتبطة بالمناخ رُفعت أمام المحاكم في العالم، بينها أكثر من 1300 في الولايات المتحدة.

ويوضح المدير التنفيذي للمركز مايكل برغر لوكالة فرانس برس أن هذه القضايا تسجيل ازديادا "مذهلا في السنوات الخمس الأخيرة (...) بما في ذلك بلدان نصف الكرة الجنوبي"، معتبرا أن هذا المنحى يعكس "استياء جزء من المجتمع المدني".

وتستحوذ البلدان النامية على نسبة ضئيلة للغاية إذ لا يتجاوز عدد القضايا المرفوعة فيها الخمسين، وفق مركز غرانثام للبحوث بشأن تغير المناخ في لندن.

نجاح محدود

لم يصل بعض القضايا المرفوعة إلى النتيجة المرجوّة. فقد ردّ القضاء في ولاية أوريغون الأميركية في كانون الثاني/يناير الفائت دعوى رفعها حوالى عشرين طفلا ومراهقا في 2015 لمطالبة الحكومة بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

وتقول الباحثة في جامعة بانتيون-سوربون في باريس مارتا تور-شوب إن "قلة من الدعاوى القضائية نجحت حقا في تحقيق نتائج إيجابية حتى اللحظة".

تلكؤ حكومي

استحالت قضية "أورجيندا"، نسبة إلى اسم منظمة بيئية هولندية، رمزا لهذا الكفاح إذ أمرت المحكمة العليا في هولندا في كانون الأول/ديسمبر 2019 الحكومة بتقليص انبعاثات غازات الدفيئة بما لا يقل عن 25 % بحلول نهاية 2020.

وتسجل مبادرات مشابهة أخرى بينها "قضية القرن" التي رفعتها في فرنسا منظمات غير حكومية... و2,3 مليون مواطن. ومنح القضاء الفرنسي في تشرين الثاني/نوفمبر ثلاثة أشهر للحكومة لتبرير نشاطاتها المناخية.

وأشار معهد "غرانثام" إلى أن عددا متزايدا من هذه القضايا، على غرار قضية "أورجيندا"، يستند إلى حجج متصلة بحقوق الإنسان خصوصا الحق في الحياة.

الشركات المسببة للتلوث

يواجه كثير من الشركات المتسببة بانبعاثات ضخمة لثاني أكسيد الكربون، قرارات قضائية تطالبها بتعويضات ولكن خصوصا بتغيير في الممارسات.

فقد نظر القضاء الهولندي في كانون الأول/ديسمبر في دعوى مقدمة من جمعيات غير حكومية تطالب بإرغام شركة "شل" النفطية على تقليص انبعاثاتها.

وفي ألمانيا، في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وافق القضاء على النظر في دعوى تقدم بها مزارع من البيرو يطالب بإرغام شركة "آر دبليو إي" العملاقة في مجال الطاقة تقديم تعويضات عن تبعات التغير المناخي في منطقة جبال الأنديس. كذلك جرى التقدم بدعاوى مشابهة في فرنسا في حق شركة "توتال" النفطية.

وقف المشاريع

يرمي بعض الدعاوى القضائية خصوصا إلى وقف مشاريع بسبب الأذى البيئي المنسوب لها، لكن نتائجها تأتي متفاوتة.

فقد أبطل القضاء الأسترالي في 2019 مشروعا لمناجم الفحم في الهواء الطلق في روكي هيل.

في المقابل، أيّد القضاء البريطاني في شباط/فبراير ناشطين بيئيين معارضين لإنشاء مدرج ثالث في مطار هيثرو في لندن. غير أن المحكمة العليا التي جرى الاحتكام إليها في القضية، وافقت أخيرا على مشروع التوسعة.

تحركات مناخية

يحاكَم مزيد من الناشطين بسبب تحركات تستهدف خصوصا شركات كبرى ويبررونها بـ"الوضع المناخي الطارئ"، في منحى يبدي بعض القضاة تجاوبا مع مسوّغاته.

ففي سويسرا، برّأت محكمة استئناف في تشرين الأول/أكتوبر، باسم "الحاجة" المناخية، شابا كان قد خرّب مقر شركة "كريديه سويس" المالية الكبرى للتنديد باستثماراتها في مجال الطاقة الأحفورية، فيما أصدرت محكمة استئناف أخرى حكما مناقضا في قضية مشابهة.

وفي فرنسا، أُطلق بعض الناشطين بعدما انتزعوا صورا للرئيس إيمانويل ماكرون من مقار بلدية، فيما أدين آخرون للسبب عينه. ويُنتظر بت المسألة أمام أعلى الهيئات القضائية.

- توزيع المسؤوليات -

يشير مايكل برغر إلى أن هذه القضايا تتطلب تحديد المسببات والمسؤوليات، إذ إن "بعضها قانوني وبعضها سياسي فيما البعض الآخر متصل بصورة أوسع بسياسات".

وقد نجحت دراسات عدة في تحديد المسؤوليات في انبعاثات كبيرة لثاني أكسيد الكربون، وتوزيعها على الشركات أو الدول.

حقوق الطبيعة

برز منحى جديد في العالم خلال السنوات الأخيرة، يتمثل في قرارات قضائية تمنح حقوقا لعناصر من الطبيعة، بينها خصوصا أنهر في آسيا وأميركا اللاتينية.

ومن بين أشهر القرارات في هذا المجال، منحت المحكمة الدستورية الكولومبية في 2016 حقوقا لنهر أتراتو، في قرار استُتبع في 2018 بآخر من المحكمة العليا يمنح الشخصية القانونية عينها إلى الأمازون.

وتقول رئيسة مؤسسة "ستوب إيكوسايد" (أوقفوا الإبادة الإيكولوجية) جوجو مهتا "من المهم أن يحصل العالم الطبيعي على حقوق. لكن هذه الحقوق قد تُنتهك في حال عدم إرفاقها بعقوبات".