برلين: كان لإعلان انسحاب الجنود الأميركيين من غرافنفور في ألمانيا وقع الصاعقة، لكن منذ انتخاب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة عاد الأمل الى هذه المدينة الصغيرة الواقعة في بافاريا والتي يرتبط مصيرها بأكبر قاعدة عسكرية أميركية في أوروبا.
تقول بيري برادشو التي يدير والداها حانة "إيريش باب" في وسط المدينة "من دون الجنود الأميركيين غرافنفور لا شيء".
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قبل 75 عاما، يؤمن هؤلاء الجنود استمرار هذه المدينة التي تكيفت مع حاجاتهم على غرار الشارع المحاذي لقاعدتهم حيث تنتشر متاجر ضرب الأوشام وصالونات الحلاقة على الطريقة الأميركية.
وتؤكد برادشو صاحبة الشعر الأصهب "تصوروا، لدينا سبعة متاجر سوبرماركت وهو عدد هائل في مدينة يبلغ عدد سكانها 6500 نسمة فقط!".
وتؤمن هذه المتاجر المواد الغذائية لنحو 40 ألف جندي وعائلاتهم يقيمون في المنطقة إن داخل القاعدة أو في محيطها.
في وسط المدينة، تشهد عمارات قديمة لماضي هذه البلدة البافارية الريفية.
إلا أن دوي إطلاق النار الأشبه بصوت الرعد الناجم عن التدريبات العسكرية، يعيد الزائر سريعا إلى الحاضر.
وتؤكد بيرغت بلوسنر المسؤولة الثقافية في المتحف العسكري "نحن معتادون ولم نعد نسمعها حتى"، مشيرة إلى أن معسكر تدريب أقيم في البلدة منذ العام 1908.
وقد انتقل الأميركيون إلى هذه الثكنة بعد هزيمة الرايخ الثالث. لكن منذ انتهاء الحرب الباردة تراجع عددهم. وتراجع عديدهم في كل ارجاء ألمانيا من 200 ألف جندي في 1990 إلى 34500 اليوم.
وتدرك المدينة هذا التهديد منذ سنوات، إلا أن إعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب 12 ألف جندي من ألمانيا من بينهم خمسة آلاف من غرافنفور وبلدة فيلسيك المجاورة، أحدث صدمة.
ويقول رئيس البلدية المحافظ إدغار نوبلوخ إن خفض عديد القوات الأميركية ٍ"ستكون له عواقب اقتصادية وخيمة".
ويوضح لوكالة فرانس برس "القاعدة توفر عملا لأكثر من ثلاثة آلاف مدني في المدينة". وينفق العسكريون حوالى 660 مليون يورو سنويا على شكل اجور وإيجارات واستهلاك خاص.
ومنذ انتخاب الديموقراطي جو بايدن في تشرين الثاني/نوفمبر علق القرار بانتظار دراسة جديدة لوزارة الدفاع ما سمح للمدينة بتنفس الصعداء. ويؤكد نوبلوخ "لم تنته مشاكلنا لكنني على ثقة بأن القرار سيأتي لصالحنا".
ويرى أن ذلك يصب أيضا في مصلحة الأميركيين الذين استثمروا كثيرا في السنوات الأخيرة لتحديث القاعدة التي يرسل الجنود المنتشرون فيها في مهمات إلى العراق وأفغانستان، فضلا عن أن جيوش الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي تجري تدريبات منتظمة فيها.
لكن الأمر لا يتعلق بالجانب الاقتصادي فقط. وتوضح بيرغت بلوسنر "تتالت ثلاثة أجيال من الجنود الأميركيين، أحيانا الأب ومن ثم الأبن".
وأشهر هؤلاء كان إلفيس بريسلي الذي نفذ الجزء الأكبر من خدمته العسكرية في ألمانيا. وخلال زيارة خاصة لغرافنغور أقام حفلة خاصة في الحانة الوحيدة في أوروبا خلال مسيرته الفنية. وقد أعاد المتحف المشهد مع آلة البيانو الأصلية وتمثال بلاستيك لملك الروك بالحجم الطبيعي.
ويطبع وجود الجنود حياة المدينة الثقافية والاجتماعية. وتوضح بلوسنر "نحتفل معا بعيد الاستقلال الأميركي وماي باوم" في إشارة إلى تقليد سلتي منتشر جدا في بافاريا ويقام في أيار/مايو.
ويؤكد رئيس البلدية "ثمة توافق فعلي بين الشعوب هنا"، حتى أن عسكريين يأتون للإقامة في المدينة بعد خروجهم من الجيش.
وهذا ما حصل مع رايمند تافاريس غاسكوت. فبعد سنة على تقاعده من الجيش الأميركي، انتقل المظلي السابق واصله من بورتوريكو للإقامة في غرافنفور في العام 2007 حيث تزوج وتمكن من تحقيق حلمه بفتح كاراج لتصليح السيارات.
ويروي الرجل النشيط البالغ 45 عاما "أغرمت بهذا البلد وثقافته" مع انه لا يزال يواجه صعوبة في اتقان اللغة الألمانية.
ويضيف "اشتاق بطبيعة الحال الى بلدي والشمس والشاطئ، لكن نوعية الحياة هنا لا تقارن".
التعليقات