مدريد: تصوت منطقة مدريد الثلاثاء لتجديد مجلسها المحلي وانتخاب رئيسها الجديد لكن اسبانيا بأسرها ستتابع هذا الاقتراع الذي يرتدي طابعا وطنيا عن كثب وقد يفضي إلى انتكاسة خطيرة لرئيس الوزراء الاشتراكي بيدرو سانشيز .

وفي بلد لم يطرد بعد شبح الحرب الأهلية وديكتاتورية فرانكو، طغت أجواء الماضي لجهة المعارضة بين "الحمر" و"الفاشية" والشتائم والتهديدات، على الحملة وعلى أي نقاش حول وباء كوفيد-19 وسياسة الحكومة الإقليمية اليمينية لمعالجته.

وشهدت الحملة التي انتهت مساء الأحد إرسال ست رسائل تهديد تحوي رصاصات، من بينها رسالتان وجهتا إلى مرشحين.

وقدمت رئيسة المنطقة المنتهية ولايتها إيزابيل دياز أيوسو (42 عاما) الشعبوية التي تتمتع بشعبية كبيرة والنجمة الصاعدة للحزب الشعبي، حزب المعارضة الرئيسي، الاقتراع على أنه خيار بين "الشيوعية والحرية"، وجعلت من رئيس الوزراء هدفها المفضل وخصمها الوحيد.

وتثير هذه الانتخابات اهتماما هائلا في اسبانيا لأن الرهان يتجاوز إلى حد كبير إطار واحدة من المناطق الـ 17 في البلاد، تتمتع بصلاحيات كبيرة خصوصا في قطاع الصحة.

ومدريد هي ثالث المناطق الاسبانية في عدد سكانها الذي يبلغ 6,6 ملايين نسمة والأغنى وواجهة البلاد للعالم. وهي سياسيا المعقل الرئيسي لليمين الذي يحكمها منذ 26 عاما.

وتجلت أهمية الاقتراع في مشاركة رئيس الوزراء شخصيا في حملة الحزب الاشتراكي، مجازفا بذلك بأن يبدو المسؤول عن فشل محتمل لحزبه.

بالإضافة إلى ذلك ، استقال زعيم حزب "نستطيع" (بوديموس) اليساري الراديكالي شريك الاشتراكيين في الائتلاف الذي يحكم إسبانيا، بابلو إغليسياس ، من الحكومة لقيادة حزبه في معركة مدريد.

وتشير كل استطلاعات الرأي إلى احتمال فوز دياز ايوسو التي تحكم منذ الانتخابات الأخيرة التي جرت قبل عامين، بحصولها على نحو أربعين بالمئة من الأصوات، وهو تقدم كبير بالمقارنة مع نتيجة اقتراع 2019 الذي حصلت فيه على 22 بالمئة من أصوات الناخبين، إلى جانب ضعف عدد المقاعد في المجلس المحلي.

أما الحزب الاشتراكي الذي فاز قبل عامين، فستتراجع نسبة التأييد له من أكثر من 27 بالمئة إلى نحو عشرين بالمئة. وما يزيد من غرابة هذا الوضع أن وباء كوفيد-19 كان له تأثير مدمر على مدريد حيث سجلت نحو عشرين بالمئة من الوفيات التي تجاوز عددها 78 الفا في البلاد والإصابات (3,5 ملايين).

وبعدما تعرضت لانتقادات حادة بسبب إدارتها للوباء، ردت دياز أيوسو كما تفعل منذ عام، بتحميل بيدرو سانشيز المسؤولية، متهمة اياه بأنه تخلى عن المناطق لتدير شؤونها بنفسها.

وهي تحصد فوائد الرهان الجريء الذي اختارته بفرض حد أدنى من القيود الصحية. ففي مواجهة السلطة المركزية، اختارت ترك الحانات والمطاعم ودور السينما والمسارح مفتوحة، حتى تظل مدريد مدينة مفتوحة، في حالة شبه فريدة في أوروبا.

ووصل الأمر إلى حد اعتبارها بطلة "لنموذج مدريد"، أي أسلوب حياة يقوم على حرية الذهاب لتناول البيرة بعد العمل أو الذهاب إلى مطعم في المساء. وهو خطاب تبسيطي لكنه يلقى صدى.

لكن إذا بقيت مدريد تحت حكم اليمين، لا يشير أي استطلاع للرأي إلى أن دياز أيوسو يمكن أن تحصل في هذه الانتخابات النسبية على 69 مقعدا ضرورية لتتمكن من الحكم بمفردها.

لذلك ستكون بحاجة إلى حليف ولن يكون لديها خيار آخر على الأرجح سوى اللجوء إلى حزب "صوت" (بوكس) اليميني المتطرف الذي لا يخفي حنينه إلى عهد فرانكو. ويدعم هذا الحزب أيوسو من الخارج كما يدعم الحزب الشعبي في منطقتين أخريين وفي بلدية مدريد.

وبما أن انتقاداته للوباء لم تتوقف، سلط اليسار الضوء على "التهديد" الذي قد يمثله دخول اليمين المتطرف إلى حكومة المنطقة الرئيسية في إسبانيا. وقال بيدرو سانشيز إن "الأمر لا يتعلق بمدريد بل يتعلق بديموقراطيتنا".

ولكن أنطونيو باروسو المحلل في مهد تينيو رأى أنه "من غير المحتمل" أن تؤثر هزيمة اليسار على "استقرار التحالف" بين الاشتراكيين و"بوديموس"، لأن بيدرو سانشيز سيكون لديه اهتمام أقل بتقديم موعد الانتخابات التشريعية.

في الواقع ستكون الانعكاسات أكبر على اليمين. وقال باروسو إن "النصر الحاسم لدياز أيوسو سيعطي على الأرجح حزب العمال دفعا على الصعيد الوطني". لكنها تجازف بإثارة توتر داخل حزب لا يزال ممزقا بين يمين الوسط واليمين المتطرف.