قالت أغلبية المشاركين في استفتاء "إيلاف" إن الانقسامات الفلسطينية أضعفت الموقف العربي تجاه مجمل القضية الفلسطينية.

إيلاف من بيروت: في خضم أشد نوبات الصراع العربي – الإسرائيلي حدة، جراء تعرض إسرائيل، أول مرة، لوابل لم تشهده من القصف الصاروخي، بسبب صواريخ حماس والجهاد الإسلامي، سألت "إيلاف" القارئ العربي: "هل أضعفت الانقسامات الفلسطينية الموقف العربي تجاه مجمل القضية؟". أجاب 85 في المئة من المستجيبين لهذا الاستفتاء بـ "نعم"، مقابل 15 في المئة منهم أجابوا بـ "لا".

للانقسام الفلسطيني قصة طويلة، بدأت منذ بدء الفلسطينيين كفاحهم المسلح. قبل حماس بعقود من الزمن، تشهد أزقة بيروت "الغربية" على الاشتباكات شبه اليومية بين فصائل "المقاومة" الفلسطينية، خصوصًا بين أنصار "فتح" وأنصار "جبهات التحرير" الأخرى، كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أو الجبهة الديمقراطية أو غيرها من التسميات.

كانت إسرائيل هناك، تفتك بفلسطينيي الداخل، بينما كان فلسطينيو الخارج، في الأردن أولًا، ثم في لبنان، يتنازعون في ما بينهم خلافًا على أيديولوجيا حكم فلسطين بعد تحريرها (ديمقراطية، ماركسية، قومية عربية...)، أو على السيطرة على زقاق هنا أو شارع هناك أو مخيم هنالك، أو تورطًا في صراعات جانبية من مثل "طريق فلسطين تمر بجونيه"، وهو الشعار الذي رفعه ياسر عرفات بعدما صارت منظمة التحرير الفلسطينية طرفًا في حرب لبنان الأهلية بين 1975 (عام اندلاع الحرب) و1982 (عام الاجتياح الإسرائيلي وجلاء عرفات وفلسطينييه عن لبنان).

ثم انقسم الفلسطينيون بين فتح-عرفات وفتح-أبو موسى، أي ما عرف بحركة فتح – الانتفاضة التي كان زر التحكم بها موجودًا في يد النظام السوري. استمر هذا الانقسام حتى مؤتمر أوسلو والاتفاق الذي نتج عنه، وانتقال أبو عمار إلى رامالله، ثم اضمحل وجود أبو موسى، وأينع الفشل في إدارة الصراع خروج الإخوان المسلمين منتصرين في قطاع غزة، باسم حماس والجهاد الإسلامي... وهما تنظيمان تتحكم بهما إيران، وما زالت، خصوصًا بعد إحراز حماس نصرها "الديمقراطي" في صناديق الاقتراع في القطاع، في عام 2004.

اليوم، تُبادل حماس والجهاد إسرائيل الغارة بالغارة، والقصف بالقصف، رغم أن الجميع يعرف أنها معادلة "العين – المخرز"، وأن ما يجري ليس إلا تنفيذًا لأجندة إيران في المنطقة. فقادة حماس جاهروا بأن ما فيه من "نصر" إنما هو من عند إيران: صواريخ وتدريب وأموال... وبالتالي أجندات على الحركة أن تنفذها.

لا ريب في أن الصور الآتية من غزة تدمي العيون. فالناس هناك يدفعون ثمنًا باهظًا لمعادلات إقليمية، لا ناقة لهم فيها ولاجمل، ولا رصاصة ولا قنبلة ولا صاروخ. والتضامن العربي مع الدم الفلسطيني المهروق على مذبح المصالح الإيرانية موجود وبقوة، لكن الموقف من القضية صار باهتًا.

حتى الشعوب العربية التي تقوم متظاهرة محتجة، إنما هي تقوم ضد الصلف الإسرائيلي والإجرام الذي يصيب المدنيين الفلسطينيين العزل، الذي وجدوا أنفسهم، في لحظة تصفية الحسابات الإيرانية – الإسرائيلية وقودًا لصواريخ تتباهى بها حماس، التي لم تجد أحدًا ينصرها، حتى رديفها اللبناني، حزب الله، يقف متفرجًا، حتى أنه منع فلسطينيين موجودين في لبنان من "توريطه" في حرب ليس له فيها مصلحة. ولا غرابة أن تعلن السلطة الفلسطينية منعها أي تصعيد عسكري بوجه إسرائيل في الضفة الغربية.

ربما تكون القضية الفلسطينية – كما عرفناها وتربينا على تفاصيلها – قد انتهت، وصار "تحرير فلسطين" سلعة في البازار الإيراني – الأميركي في سوق فيينا لإحياء الاتفاق النووي. إن كان الأمر كذلك، فما لنا في هذه القضية؟ كل ما يريده أي إنسان اليوم هو وقف آلة التدمير والقتل التي تحصد أرواح الأبرياء في غزة. لا أكثر.