ثار النقاش بشأن الأخطاء القضائية في الولايات المتحدة من جديد، بعد تسوية تاريخية تم بموجيها صرف تعويض بمبلغ 75 مليون دولار لأخوين سجنا ظلما لمدة تزيد عن ثلاثة عقود.

فقد أدين هنري ماكوليم وأخوه غير الشقيق ليون براون في عام 1986 بجريمة اغتصاب وقتل طفلة عمرها 11 عاما. وفي عام 2014 ظهرت أدلة الحمض النووي التي برأتهما في العام التالي.

وأصدرت المحكمة الجمعة قرارا بمنحهما تعويضا قدره 31 مليون دولار لكل منهما - بواقع مليون دولار عن كل عام في السجن - و13 مليون دولار إضافية كتعويضات تأديبية.

ويعد المبلغ، بحسب محامي الدفاع، أكبر تسوية إجمالية في تاريخ القضاء الأمريكي.

وقال ماكوليم وهو يخرج من المحكمة باكيا بعد سبعة أعوام من صدور حكم قضائي بالإفراج عنه: "أشكر الرب".

وأضاف: "السجن فيه كثير من الأبرياء، لا يستحقون البقاء فيه".

ما الذي حدث في القضية؟

يوم 24 سبتمبر/ أيلول 1983 عثرت الشرطة في بلدة ريد سبرينغز في نورث كارولاينا على جثة طفلة عمرها 11 عاما بأحد حقول فول الصويا.

وفي اليوم التالي، بناء على شائعات نشرها زميل في المدرسة، اعتقل شابان من أصول أفريقية هما ماكوليم وبراون، وكان عمرهما على التوالي 19 و15 عاما.

وبعد ساعات من الاستجواب، يعتقد أن أفراد الشرطة أرغموهما على توقيع اعتراف أولي يورط فيه كل منهما الآخر في الجريمة. وجاء في وثائق المحكمة أن الأخوين يعانيان من مصاعب ذهنية وقدراتهما في القراءة والكتابة وفهم ما وقعا عليه محدودة.

وحكم على الأخوين بالإعدام. وكان براون أصغر سجين ينتظر تنفيذ الإعدام، في نورث كارولاينا، ثم خفف الحكم عليه إلى السجن المؤبد. أما ماكوليم فأصبح أقدم سجين ينتظر تنفيذ الإعدام بالولاية.

ولم تكن هناك أي أدلة مادية تربط الأخوين بالجريمة.

وفي 2014 أثبتت أدلة الحمض النووي أن مقترف الجريمة الحقيقي، روسكو أرتيس، يقضي عقوبة السجن المؤبد في جريمة قتل مشابهة لكنها منفصلة.

هل الأخطاء القضائية شائعة في الولايات المتحدة؟

أحصى السجل الوطني للإعفاءات 2784 إعفاء قضائيا منذ أن بدأ جمع البيانات في 1989.

ويتضمن أكثر من نصف هذه الحالات أخطاء في الإجراءات القضائية أو في تصرف الشرطة. وما يقارب نصف هؤلاء المسجونين ظلما من أصول أفريقية.

وأظهرت البيانات أيضا أن الأمريكيين من أصول أفريقية معرضون لاحتمالات الإدانة بالقتل خطأ سبع مرات أكثر من الأمريكيين من العرق الأبيض.

هل التسويات المجزية شائعة؟

يمكن للأمريكيين المدانين خطأ رفع قضايا مدنية ضد انتهاك حقوقهم، ولكن المدعي في بعض الحالات يخرج صفر اليدين.

ومن الصعب إدانة أفراد الشرطة والأجهزة الأمنية بإساءة التصرف لأنهم يتمتعون بحماية واسعة توفرها لهم القوانين الأمريكية الحالية.

ولكن الضغوط تتزايد لمحاسبة أفراد الشرطة على الأخطاء التي يرتكبونها خاصة مع تصاعد حركات تطالب بالعدالة بين الأعراق. وأدت محاكمة المتهم بقتل جورج فلويد في 2020 في مينيسوتا إلى تسوية بقيمة 27 مليون دولار، أما قضية بريونا تيلور في كنتاكي فسويت بمبلغ 12 مليون دولار.

ويأتي حكم الجمعة في نورث كارولاينا بعد تسوبة أخرى توصلت إليها الأجهزة الأمنية مع الأخوين بمبالغ أصغر.

ويقول جيمي لو أستاذ القانون بجامعة ديوك والخبير في الأخطاء القضائية بالولاية إن منح لجنة المحلفين مليون دولار عن كل سجن للأخوين تعويض "كبير" ، ولكنه أوضح أن هذه المبالغ الكبيرة قد تدفع المشتكين إلى التسوية بدل خوض إجراءات المحاكمة بسبب أعبائها المالية.

كيف تقدر المحاكم الأمريكية قيمة سنة في السجن؟

القوانين في 36 ولاية أمريكية فضلا عن العاصمة واشنطن تقضي بمنح تعويضات لمن صدرت في حقهم أحكام قضائية خاطئة.

وفي نورث كارولاينا يحصل ضحايا الأحكام القضائية الخاطئة بعد عفو حكام الولاية عنهم على تعويض بقيمة 50 ألف دولار عن كل عام قضوه في السجن، ولكن التعويض الإجمالي لا يتجاوز 750 ألف دولار.

وهذا هو المبلغ الذي حصل عليه روني لونغ، وهو رجل أسود أدين ظلما بالاغتصاب والسطو في عام 1976، ويحتج محاموه على الأمر بأن موكلهم، وفق هذا الحساب، حصل على تعويض عن 15 عاما فقط من أصل 44 عاما قضاها في السجن.

وستقرر محكمة مدنية ما إذا كان لونغ سيحصل على المزيد من التعويضات على سجنه مدة هي ثالث أطول مدة سجن في البلاد.

هل المال يكفي؟

يمكن للتعويض المالي أن يساعد الضحايا في توفير أساسيات الحياة مثل السكن واحتياجات المعيشة الأخرى.

وفي تصريح لبي بي سي تحدث البروفيسور لو عن أحد موكليه، تشارلز فلينتش، الذي قضى 43 عاما في السجن في انتظار تنفيذ الإعدام قبل أن يفرج عنه في 2019 وعمره 83 عاما.

"لم يحصل على فلس واحد لا من الولاية ولا من القضاء"، بحسب لو، الذي يضيف أن سن فلينتش لا يسمح له بالعمل وهو يجعله مضطرا لطلب المساعدة من الأقارب والأصدقاء.

ويقول البورفيسور إن "الضرر يلحق ضحايا المدانين ظلما بعد تبرئتهم بسبب عدم صرف التعويضات التي يحتاجونها في وقت مبكر".

ويضيف أن صرف 62 مليون دولار للأخوين لتعويضهما عن الأضرار يعد بمثابة محاولة لمساعدتهما على التعافي. أما صرف مبلغ الـ13 مليون دولار من التعويضات التأديبية، فهو "يبعث رسالة" مفادها أن تجاوزات الشرطة لم تعد مقبولة.