نيويورك: حذر باحثون وأستاذة قانون وعلوم سياسية من اتجاه الولايات المتحدة الأميركية إلى "أكبر أزمة سياسية ودستورية" بالتزامن مع موعد الانتخابات الرئاسية عام 2024، وأعربوا عن تخوفهم من "أعمال عنف وخطر على الديمقراطية وتقويض للعملية الانتخابية"، في إشارة إلى حالة الاستقطاب بين الجمهوريين والديمقراطيين.

وبقيت انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2000 معلّقة على بضعة أصوات في فلوريدا، قبل أن تبت المحكمة العليا بنتيجتها فيما ندد الجمهوريون بعد انتخابات 2020 بـ"كذبة كبرى"، واقتحم على إثرها أنصار المرشّح الخاسر مقر الكونجرس.

وتركزت الأنظار على ما سيحمله اقتراع 2024، بعدما أبدى دونالد ترمب، أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يرفض القبول بنتيجة الانتخابات، رغبة في الترشّح مجدداً للبيت الأبيض.

ودق الباحث الرفيع في معهد "بروكينجز" روبرت كاجان، ناقوس الخطر في الأوساط السياسية الأسبوع الماضي من خلال مقال رأي سوداوي في "واشنطن بوست"، إذ كتب "تتجه الولايات المتحدة إلى أكبر أزمة سياسية ودستورية منذ الحرب الأهلية".

ونبه الباحث المحافظ إلى "احتمال كبير بوقوع أحداث عنف واسعة في السنوات الثلاث إلى الأربع المقبلة، وانهيار السلطة الفيدرالية، وانقسام البلاد إلى جيوب زرقاء وحمراء متحاربة" في إشارة إلى اللونين اللذين يرمزان للحزبين الديمقراطي والجمهوري.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الأميركيين يشاطرون كاجان جزءًا على الأقل من مخاوفه؛ إذ أفاد 56% من المستطلعين في استطلاع لـ"سي إن إن-إس إس آر إس"، بأن الديمقراطية الأميركية تتعرّض إلى هجوم. وذكر 37% منهم أنها تخضع "لاختبار" فيما رأى 6% فقط أنها لا تواجه أي خطر.

في المقابل، لقيت اتهامات ترمب للديمقراطي جو بايدن بـ"سرقة" انتخابات نوفمبر 2020 الرئاسية تأييداً في الأوساط السياسية.

وأفاد 78% من الجمهوريين الذين استطلعت "سي إن إن-إس إس آر إس" آراءهم، بأنهم لا يعتقدون أن بايدن فاز بالرئاسة بشكل قانوني، وهو رقم يتوافق مع ما خلصت إليه استطلاعات رأي أخرى.

واعتبر أستاذ القانون الدستوري لدى جامعة ولاية أوهايو إدوارد فولي "إنها ظاهرة جديدة في الانتخابات الأميركية"، في إشارة إلى التشكيك بالنتائج.

وأضاف "كانت هناك خلافات بشأن الثقوب غير الواضحة (على بطاقات الاقتراع) كما كان الحال مع (جورج) بوش و(آل) جور في العام 2000. ولطالما أعيد فرز الأصوات في الانتخابات الأميركية"، موضحاً: "لكن الكذبة الكبرى جديدة، إنها منفصلة عن الواقع وباتت أشبه بآفة اجتماعية".

من جهته، قال أستاذ القانون والعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا في إرفاين ريتشارد هاسن، في ورقة بحثية مؤخراً، إن الولايات المتحدة تجد نفسها في لحظة "تهديد للديمقراطية" إذ تواجه خطراً غير مسبوق بـ"تقويض الانتخابات".

وكتب هاسن أن "الولايات المتحدة تواجه خطراً جدياً بألا تجري انتخابات 2024 الرئاسية وغيرها من الاستحقاقات الانتخابية المستقبلية بشكل منصف، وبألا يعكس المرشّحون الذين يتولون السلطة الخيارات الحرة للناخبين المؤهلين بناء على قواعد انتخابية معلنة مسبقاً".

ولفت كاجان في مقاله إلى أن ترمب (75 عاماً) وحلفاءه الجمهوريين يمهّدون لضمان الفوز في 2024 "مهما كانت الوسيلة اللازمة" لتحقيق ذلك.

وأقرّ مشرّعون في بعض الولايات التي يحكمها الجمهورين فرض قيود مثل قوانين التعريف عن الناخبين، ويرى الديمقراطيون أن هدفها كبح أصوات الأقلية، بينما يشدد الجمهوريون على أنها مصممة لحماية نزاهة الاقتراع.

وتشمل استراتيجية الجمهوريين كذلك استبدال مسؤولي الانتخابات في الولايات الجمهورية، مثل وزير شؤون ولاية جورجيا الجمهوري براد رافنسبرجر الذي رفض الخضوع لضغوط ترمب في 2020 "لإيجاد" 11780 صوتاً، بمرشّحين مؤيّدين بالمطلق.

وقال مدير مركز السياسة في جامعة فيرجينيا لاري ساباتو: "عندما يكون لديك شخص كهذا في موقع المسؤولية، ستمتلك نفوذاً كبيراً بشأن كيفية إجراء الانتخابات وكيفية عد الأصوات والشخص الذي سيعلن عنه كفائز وكيفية توافق أصوات الهيئة الناخبة".

واعتبر ساباتو إن المجالس التشريعية في الولايات التي يهيمين عليها الجمهوريون، تستطيع تجاهل الأصوات الشعبية في ولاياتها إذا كانت غير مواتية لترمب، كما يمكنها تعيين شخصيات تختارها في الهيئة الناخبة التي يعود إليها القول الفصل في تحديد هوية الفائز في الانتخابات الرئاسية، بحسب ساباتو.

كما أن الجمهوريين في وضع يسمح لهم بالفوز بالأغلبية عام 2022 في مجلس النواب الذي يهيمن عليه الديمقراطيون حالياً، ما من شأنه أن يمنحهم ورقة ضغط إضافية في 2024، بحسب الباحث ذاته.

وفي السياق، قال فولي: "رغم بشاعة المشهد في 6 يناير الماضي مع سفك الدماء والتمرّد، لم تكن النتيجة يوماً محط تشكيك"، فيما رفض نائب الرئيس حينذاك مايك بنس في نهاية المطاف الخضوع لمطالب ترمب بأن يرفض أصوات الهيئة الناخبة من عدة ولايات خسرها الجمهوريون لصالح بايدن.

وتابع "لكن إذا كان أعضاء الكونجرس في 6 يناير 2025 يميلون لنهج الكذبة الكبرى، وعلى استعداد لرفض نتيجة الانتخابات فقط من أجل السلطة السياسية، فسيمثل ذلك التقويض المطلق للديمقراطية".