إذا حدث ما لا يمكن تصوره، وانكسر تحالف حزب الله مع التيار الوطني الحر، فإن هذا يحمل في طياته خطر انهيار التماسك الاجتماعي بين اللبنانيين.

إيلاف من بيروت: لا شيء دائمًا في السياسة. هذا صحيح بشكل خاص في لبنان، لا سيما بعد الانقسامات الجديدة في تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر. في الأيام الأخيرة من عام 2021، أدان رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون، ولأول مرة، حزب الله علانية بسبب دوره في منع اجتماع مجلس الوزراء احتجاجًا على التحقيق المستمر الذي يقوده القاضي العدلي طارق بيطار في انفجار المرفأ. هذه الحقائق النامية الجديدة تعرض تحالف "مار مخايل" لخطر التفكك.

بحسب المحلل عدنان ناصر، في مقالة تحليلية نشرها موقع "ناشونال إنترست" الأميركي، قاد حزب الله مقاطعةً لاجتماعات وزارية استمرت قرابة ثلاثة أشهر، انتهت مؤخرًا، ما أثار الذعر في أذهان العديد من اللبنانيين الذين اعتبروا أن التحالف العوني مع حزب الله غير قابل للكسر. كان هذا الاستنتاج مبنياً على أسس جيدة بالنظر إلى أن عون، وهو جنرال سابق في الجيش، لم يصل إلى سدة الرئاسة إلا بدعم صريح وثابت من حزب الله. نتيجة لذلك، كان صعبًا التفكير في ما إذا كان سيهاجم الحزب، حتى لو كان ذلك بشكل خطابي فحسب.

يقول ناصر: "مع ذلك، يدين حزب الله ببقائه كحركة مقاومة وطنية لدفاع التيار الوطني الحر عنه، أمام قاعدته المسيحية الواسعة. خلاف ذلك، ثمة ما يشير إلى أن الشعب اللبناني يرى حزب الله وكيلًا إقليميًا لإيران. مع ذلك، تغيرت الظروف السياسية في لبنان منذ اتفاق "مار مخايل" الذي وقعه عون مع حسن نصرالله، أمين عام حزب الله في عام 2006 ، والذي عزز التحالف السياسي بين الطرفين".

ليس مؤاتيًا

تضمنت انتقادات عون دحضًا سلبيًا للجناح المسلح لحزب الله ودوره في دول المنطقة، بحجة أن "الدولة وحدها هي التي تضع استراتيجيتها الدفاعية وتهتم بتنفيذها". ويأتي تأكيد عون لشرعية الدولة على السياسة الخارجية المستقلة لحزب الله فيما يعاني لبنان من عزلة خليجية، بعد تورط حزب الله في حرب اليمن، واتهام الرايض له بمساندة المتمردين الحوثيين في الاعتداء على المناطق المدنية في المملكة العربية السعودية. فقد نددت الرياض بهذا التورط اليمن وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع بيروت، ما زاد من تفاقم مشكلات لبنان الاقتصادية، وألقى بثقله على المواطنين اللبنانيين العاديين.

يقول ناصر: "هذا الوضع ليس مؤاتيًا لعون من الناحية السياسية، وهو من قال في أواخر عام 2021 إنه يريد أفضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى التي أبدت تضامنًا مع المملكة".

بالتالي، وبالنظر إلى اختلاف الخطاب والمصالح في هذا الصدد، "من العدل التشكيك في مرونة العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله"، كما يقول ناصر، مضيفًا: "يعتقد الرئيس الحالي للتيار الوطني الحر، جبران باسيل، أن العلاقة لن تدوم. وهو سلط الضوء على نقاط افتراق عدة مع حزب الله، لكن إحباطه الأكبر هو قرار الحزب الوقوف إلى جانب حركة أمل، الفصيل الشيعي بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري، في مجلس النواب اللبناني".

قال باسيل في خطاب دام ساعة: "توصلنا إلى تفاهم مع حزب الله [عام 2006] وليس مع أمل. وعندما نكتشف أن من يتخذ القرارات في (هذا التحالف) هو أمل، فمن حقنا إعادة النظر".

الحل أو الانهيار

يعقّب ناصر على هذا الكلام بالقول: "يحاول باسيل الترويج لنفسه مصلحًا بخطاب شديد اللهجة يعترف بفشل المذكرة مع حزب الله في الوفاء بوعوده بلبنان أفضل. علاوة على ذلك، تم تحديد توقيت هذه الحقيقة بعناية قبل الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في مايو 2022. مع ذلك، قد يكون من غير المنطقي الكشف عن المعارضة بين الأصدقاء قبل الانتخابات التي يمكن أن تحدد مصير المستقبل السياسي لحزبك. لكن باسيل أبدى استعداده لخسارة مقاعد في الانتخابات إذا رفض حزب الله تلبية مطالبه بإحداث تطور في تحالفهما. يقول: بالطبع نحن أقوى من الناحية الانتخابية إذا تحالفنا مع حزب الله، لكن بين الفوز في الانتخابات وكسب أنفسنا، نختار أنفسنا وصدقيتنا وكرامتنا".

ويختم ناصر تحليله: "مع ذلك، بينما يبدو هذا مثيرًا للإعجاب في الأخبار، يصعب التخيل أن الفريقين لن يتوصلا إلى حل. فالحقيقة التي لا مفر منها هي أن كلًا منهما بحاجة إلى الآخر لتحقيق طموحاته السياسية. ينظر الكثيرون في لبنان إلى باسيل على أنه رجل يطمح إلى الرئاسة بعد عون. علاوة على ذلك، إذا خسر حزب الله تحالفه مع أكبر حزب سياسي مسيحي في لبنان، لن يعود قادرًا على التحكم بتحالف عابر للطوائف، أضفى شرعيةً على ترسانته الكبيرة من الأسلحة. إضافة إلى ذلك، يطالب بعض المواطنين حزب الله تسليم سلاحه للجيش اللبناني. ومع ذلك، إذا ظهر تغيير دائم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، سيكون الكشف العلني عن المواضع التي لا يقفان فيها سياسيًا. مع ذلك، إذا حدث ما لا يمكن تصوره وانتهى الاتفاق، فإن ذلك يحمل في طياته خطر انهيار التماسك الاجتماعي بين اللبنانيين. في هذه المرحلة، لا يمكن أن يعتمد التعايش بين الأديان المختلفة على صفقة السياسيين. بدلاً من ذلك، سيتطلب حكمة اللبنانيين أن يعيشوا بسلام بعضهم مع بعض".


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "ناشونال إنترست" الأميركي.