باريس: أعلن قصر الإليزيه في بيان أن الرئيس إيمانويل ماكرون عيّن الاثنين وزيرة العمل إليزابيت بورن رئيسة للوزراء، لتكون أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة الفرنسية منذ أكثر من ثلاثة عقود.

قدم رئيس الوزراء الفرنسي المنتهية ولايته جان كاستيكس استقالته إلى الرئيس في وقت سابق الاثنين في إطار خطوة كانت متوقعة على نطاق واسع لإفساح المجال لتشكيل حكومة جديدة في أعقاب إعادة انتخاب ماكرون لولاية ثانية في نيسان/أبريل.

وأتاح رحيل كاستيكس الذي شكل اختياره مفاجأة عام 2020، لماكرون إعادة تشكيل مجلس الوزراء قبل الانتخابات البرلمانية الحاسمة في حزيران/يونيو.

سيحتاج الرئيس الوسطي إلى أغلبية في البرلمان لدفع أجندته المحلية بعد إعادة انتخابه التي تشكّل اثرها تحالف يساري جديد وأعلن اليمين المتطرف أنه سيعمل على عرقلة برنامجه.

وسرت تكهنات في الأسابيع الأخيرة حول خلف كاستيكس، فقد أشار ماكرون إلى أنه يريد منح المنصب لامرأة ذات توجهات يسارية وبيئية.

تعكس تلك المعايير رغبته في التركيز على تحسين المدارس والرعاية الصحية في الجزء الأول من ولايته الرئاسية الثانية، فضلا عن البحث عن حلول لأزمة المناخ التي وعد بإعطائها الأولوية.

ويُنظر إلى بورن البالغة 61 عاما على أنها تكنوقراط قادرة على التفاوض بحكمة مع النقابات، مع اعتزام الرئيس وضع حزمة جديدة من الإصلاحات الاجتماعية التي أدت إلى اندلاع احتجاجات.

وقالت عند تسلمها المنصب "لا شيء يمكن أن يوقف النضال من أجل مكانة المرأة في مجتمعنا"، وأهدت تعيينها إلى "كل الفتيات الصغيرات" اللواتي يجب أن "يحققن أحلامهن".

وتعهدت بورن التي سبق أن تولت أيضا حقيبة البيئة، رد فعل "أسرع وأقوى" على "التحدي المناخي والبيئي".

وفي تغريدة وجهها إلى "السيدة رئيسة الوزراء"، قال ماكرون إن الأولويات هي "البيئة، الصحة، التعليم، التشغيل الكامل، إحياء الديموقراطية، أوروبا والأمن. ومع الحكومة الجديدة، سنواصل العمل بلا كلل من أجل الشعب الفرنسي".

وقال مسؤول في الرئاسة طلب عدم كشف اسمه إن بورن امرأة "اقتناعات وعمل وإنجاز" مشيرا إلى "قدرتها على تنفيذ الإصلاحات".

في حوار مع صحيفة "جورنال دو ديمانش" الأحد، قالت إديت كريسون آخر امرأة تولت رئاسة الوزراء إن السياسة الفرنسية ظلت "ذكورية" بعد أكثر من 30 عاما من ترؤسها للحكومة لفترة وجيزة بين أيار/مايو 1991 ونيسان/أبريل 1992 في عهد الرئيس الراحل فرنسوا ميتران.

وأضافت أن على إليزابيت بورن "التحلي بكثير من الشجاعة".

وفي تصريح لقناة "بي اف ام تي في"، قالت كريسون التي تعرف بورن شخصيا "حان الوقت لوجود امرأة أخرى".

وأضافت "إنها شخصية رائعة، ولديها خبرة كبيرة في القطاعين العام والخاص... إنها اختيار جيد للغاية لأنها شخصية رائعة وليس لأنها امرأة".

وقالت رئيس الوزراء السابقة إنها تعجب لمضي كل هذا الزمن حتى تشغل امرأة أخرى المنصب.

وأضافت كريسون التي كانت هدفا للعديد من الهجمات لكونها امرأة، إن "فرنسا متأخرة جدا - ليس الشعب الفرنسي بل الطبقة السياسية".

وحقق ماكرون (44 عاما) انتصارا قويا في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 24 نيسان/أبريل في مواجهة زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن، إذ حاز في الدورة الثانية 59 في المئة من الأصوات مقابل 41 في المئة لغريمته.

أبدى خصوم ماكرون مواقف أقل ترحيبا ببورن التي قالت لوبن إن تعيينها يظهر "عدم قدرة الرئيس على الجمع ورغبته في متابعة سياسته القائمة على الاستهتار".

وسخر زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون من فكرة أن بورن يسارية ووصفها بأنها "من بين أقسى وجوه الإضرار الاجتماعي" في النخبة الفرنسية.

يتطلع كل من لوبن وميلانشون إلى تعويض هزيمتهما في الانتخابات البرلمانية يومي 12 و19 حزيران/يونيو على أمل التصدي لخطط إيمانويل ماكرون.

وفي هذا السياق، أقنع ميلانشون مؤخرا الأحزاب الاشتراكية والشيوعية وحزب الخضر بتشكيل تحالف تحت قيادته يوحد اليسار في جبهة مشتركة للمرة الأولى منذ عقود.

وكان جان كاستيكس قد أبدى اعتزامه الاستقالة فور صدور نتائج الانتخابات الرئاسية تماشيا مع التقاليد السياسية الفرنسية، لكن ماكرون أقنعه بالبقاء في منصبه ريثما يجد بديلا.

يتمتع الرجل البالغ 56 عامًا والمتحدر من منطقة ريفية في جنوب غرب فرنسا بأسلوب صريح ولهجة مميّزة لمسقط رأسه جعلته محبوبا لدى كثير من الفرنسيين.

سيتم تذكر كاستيكس خصوصا لإدارته للمراحل الأخيرة من التصدي لجائحة كوفيد، حين قدّم إحاطات دورية متلفزة حول عدد الإصابات وتدابير الإغلاق والتباعد الاجتماعي.

وقال ماكرون في تغريدة وداعية لكاستيكس "مدى عامين تقريبا، عمل بشغف والتزام في خدمة فرنسا".