ليسيتشانسك (أوكرانيا): خاطر عامل منجم الفحم الأوكراني أرتيوم إيفاسينكو بحياته للخروج من قبو منزله في ليسيتشانسك بغية العودة بطعام وأدوية للمختبئين في المكان محرومين من الكهرباء والانترنت، بعد أن أغلقت القوات الروسية آخر منافذ الخروج من المدينة التي يخيم عليها شبح الحرب.

كاد إيفاسينكو أن يُقتل عندما خرج آخر مرة بسيارته جنوبا للتمون بالسلع الغذائية والأدوية لوالده وغيره من الأشخاص الذين يقيمون في قبو منزله في المدينة التي تتعرض لقصف متواصل.

آنذاك كانت الطريق المعبدة المؤدية إلى أماكن أقل عرضة بقليل للقصف، ما زالت تحت سيطرة القوات الأوكرانية.

غير أن الدبابات الروسية الساعية لحصار آخر جيوب المقاومة في المنطقة الأصغر من منطقتي الحرب، أغلقت في وقت سابق من هذا الأسبوع الطريق لتتمكن من التحكم بها.

وقد حول هجوم أوكراني مضاد الطريق السريع إلى ساحة حرب مشتعلة، تمثل حدود سيطرة الحكومة المدعومة من الغرب، شرقا، مع دخول الحرب شهرها الرابع.

ولم يكن إيفاسينكو يعلم بأي من تلك التفاصيل لأن ليسيتشانسك وجارتها سيفيرودونيتسك التي تتعرض لقصف عنيف، محرومتان من الكهرباء وجميع سبل التواصل منذ أسابيع.

وقال الرجل البالغ 34 عاما تحت مصباح أضيء بمولد كهرباء في قبوه الذي لا يدخله الهواء "كل ما أعرفه هو ما أراه".

أضاف "ما رأيته كان انفجار القذائف على بعد 10 أو 15 مترًا من شاحنتي في المرة الأخيرة التي سلكت فيها هذا الطريق" ثم انصرف لتفقد والده المريض الذي كان يئن في إحدى زوايا القبو.

أحضرت جدتان مبتسمتان حساء حضرتاه على موقد في الحديقة التي تناثرت فيها شظايا القصف.

بدا إيفاسينكو فرحا قليلا إزاء احتمال تمكنه من الخروج من المدينة بعربته لشراء مزيد من الحاجيات، بغض النظر عمن يسيطر على الطريق.

وقال "إذا كان الروس متواجدين هناك سأقول لهم إنني أحضر مساعدة لأشخاص على شفير الموت. أي شخص سيرى أن ذلك سببا شرعيا للسماح لي بالعبور. وإذا قتلوني، قتلوني".

حولت روسيا تركيزها الرئيسي على تطويق ليسيتشانسك وسيفيرودونيتسك في المرحلة الحالية من الحرب.

ومع اندلاع اشتباكات على طريق خط الجبهة، باتت روسيا على وشك محاصرة المدينتين وتحضير قواتها لتتوغل أعمق في منطقة الحرب.

والرابط الوحيد المتبقي للمركزين الصناعيين بباقي أنحاء أوكرانيا، عبارة عن طريق ريفي ترابي تواجه حتى الدبابات والشاحنات العسكرية المزودة بإطارات ضخمة، صعوبة في عبوره.

يعبر أولكسندر كوزير عن القلق إزاء الطريق. ويواجه هذا المسؤول عن مركز توزيع الإعانات الرئيسي في ليسيتشانسك، يوميا سيلا من الناس الجائعين والمنهكين ممن نفدت إمداداتهم الأخيرة.

وقال الرجل البالغ 33 عاما بصوت متعب "الناس على استعداد للمجازفة بكل شيء من أجل الحصول على الغذاء والدواء".

اضاف "إنهم مكتئبون نفسيا إلى حد أنهم ما عادوا يشعرون بالخوف. كل همهم إيجاد الطعام".

في وقت سابق من الأسبوع، دمرت قذائف الهاون جزءًا من مركز توزيع الإعانات الذي يشرف عليه كوزير كما دمرت المباني المحيطة.

وتؤدي سلالم المركز إلى قبو يكتظ بعشرات العائلات التي تفترش الأرضية الإسمنتية في الظلام منذ قرابة ثلاثة أشهر. وقد يبقى العديد منهم على الأرجح لأسابيع أو أشهر أخرى بسبب انقطاع الطريق.

ويتزايد الغموض بشأن الجهة التي ستوفر لهم إمدادات الطعام والأدوية في المستقبل.

انتهى كوزير من تلبية حاجات امرأة قلقة حيال والدتها المريضة وجلس للتحدث عن أحداث تطارده منذ يوم.

ويقول "كان عدد من رجال الإطفاء يوزعون الماء عندما تعرضوا للقصف. فروا طلبا للحماية لكن الناس الذين كانوا بانتظار الماء لم يأبهوا للأمر".

أضاف "استمروا في الركض وراءهم تحت القصف. فقد كانوا بحاجة ماسة للماء".

وهز دوي قذائف الهاون نافذته المغطاة بالكرتون. وقال متنهدا "الأمور ازدادت صعوبة في الأيام القليلة الماضية".

قبل الحرب كان عدد سكان المدينتين الصناعيتين يبلغ 200 ألف نسمة.

ويعتقد عمال الإغاثة أن 20 ألفا على الأقل لا يزالون يختبئون في أقبية في مدينة ليسيتشانسك. وقلة منهم يجرؤون على تقدير عدد المحاصرين في جحيم سيفيرودونيتسك.

مؤخرا أنقذ متطوع المتقاعدة يفيغينيا ميخنو وزوجها من سيفيرودونيتسك، بعد أن اغتنم هدوء المعارك للمسارعة إلى المدينة وإخراج أول الأشخاص الذين يصادفهم في الطريق.

ويقف الزوجان المذهولان الآن في ساحة ليسيتشانسك من دون أي مقتنيات ولا أي فكرة واضحة عن مسار الحرب.

وقالت السيدة البالغة 76 عاما "لا أعرف ماذا بوسعنا القيام به إذا كانت الطريق الكبيرة مقطوعة". أضافت "لا يمكننا العودة إليها (للمدينة) ولا الخروج منها".

وزاد زوجها أولكسندر مبتسما "يمكننا الوقوف هنا والانتظار ... هذا ما نعرف أن نفعله".