إيلاف من بيروت: ها نحن في الشهر السادس على بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، هذا الغزو الذي سماه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس الماضي "عملية خاصة" أرادها خاطفة، من دون أن يدري أنه سيغرق في وحول أوكرانيا، كما غرق أسلافه السوفيات في رمال أفغانستان المتحركة في ثمانينيات القرن الماضي.

يعلم الجميع كيف بدأت الحرب الروسية على أوكرانيا، لكن أحداً لن يعرف كيف ستنتهي، ولا متى ستنتهي، ولا كيف سيكون تأثيرها على العالم. سألت "إيلاف" قارءها العربي: كيف ترى نتائج الأزمة الأوكرانية على مستوى العالم؟. أجاب 19 في المئة من المشاركين في الاستفتاء بأنها ستؤدي إلى انقسام دولي كبير، فيما رجح 32 في المئة منهم أن تنتهي إلى إقامة نظام دولي جديد. أما أغلبية 49 في المئة من المشاركين فرأوا أن أبرز نتائج هذه الأزمة تتمثل في اندلاع حروب اقتصادية مستمرة.

نظام دولي جديد

يرى مارك شامبيون، أحد كبار خبراء الشؤون الدولية في وكالة "بلومبرغ"، أن هذه الحرب ستؤدي فعلًا إلى قيام نظام عالمي جديد، "لكنه لن يكون النظام الذي يأمله بوتين، خصوصًا بعدما تغيرت مقاييس الدفاع عن أوروبا، من إستونيا إلى ألمانيا وبريطانيا، وأدت الحرب إلأى تماسك فعلي في أوروبا وفي حلف الناتو، فما عادت مسألة اندلاع حرب واسعة مع روسيا مستبعدة".

يقول جاسم المناعي، الرئيس السابق لصندوق النقد العربي، في صحيفة "الخليج": حرب أوكرانيا تأتي لتؤسس لنمط جديد في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية. فعلى الصعيد السياسي يمكن أن نشهد مزيداً من الاستقطاب بين الكتلة الغربية ممثلة في أميركا والاتحاد الأوروبي من جانب، وبين الكتلة الشرقية ممثلة في روسيا وإلى حد ما الصين من جانب آخر. وللأسف، فإن مزيداً من الاستقطاب بين هاتين الكتلتين من شأنه زيادة التوترات السياسية العالمية، هذا إذا لم يجر ذلك إلى تصعيد أكبر في شكل صراعات مباشرة أو حتى حروب عالمية".

يضيف: "سنشهد تلاشي أو انعدام الثقة خاصة بين أوروبا وروسيا وسوف ينعكس هذا الأمر في سعي أوروبا إلى تعزيز دفاعاتها العسكرية وألمانيا قد بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه نحو تحديث وتعزيز نظامها العسكري وزيادة مخصصات الميزانية لهذا الغرض. ويعتبر مثل هذا الإجراء تحولاً كبيراً في سياسة ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية. هناك تحولات أخرى هامة في موقف أوروبا نتيجة لهذه الحرب وبخاصة في مجال اعتمادها على النفط والغاز الروسي".

انقسام دولي

في يوليو الماضي، نشرت "واشنطن بوست" استطلاعًا للرأي أجري في 10 دول أوروبية، أشارت نتائجه إلى أن اهتمام الرأي العام قد يتحول من دعم أوكرانيا في الحرب إلى مخاوف بشأن تأثيرها الأوسع، لا سيما ارتفاع تكاليف المعيشة في أوروبا. ويريد أكثر من ثلث الذين شملهم الاستطلاع أن تنتهي هذه الحرب حتى لو اضطرت أوكرانيا إلى تقديم تنازلات، فيما قال 22 في المئة إن الحرب يجب أن تستمر ما دام الأمر يتطلب معاقبة روسيا واستعادة أراضي أوكرانيا.

وبحسب الصحيفة الأميركية، الرأي العام الأوروبي يتغير والأصعب آتٍ. وأشار التقرير أيضا إلى أن الأوروبيين يشعرون بالقلق أيضا من خطر التصعيد النووي، وإذا زاد الشعور بأن العقوبات على روسيا فشلت في تحقيق نتائجها، فسوف يتزايد الانقسام بين من يريدون إنهاء الحرب بسرعة ومن يريدون رؤية روسيا مهزومة.

في خط مواز، الغرب متحد إلى حد كبير في دعم أوكرانيا عسكريا، لكنه منقسم بخصوص التفاصيل. فبعض الدول تحجم عن تزويد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة خشية أن يؤدي ذلك إلى إطالة إراقة الدماء، في حين تقوم دول أخرى بزيادة شحناتها إلى أوكرانيا من الذخيرة والأسلحة الأكثر فتكًا.

حروب اقتصادية

الحرب الأبرز في هذا المجال هي المفتوحة بين واشنطن وبكين. ضاعفت الحرب الأوكرانية حجم التحديات الاستراتيجية لهذا الصراع، خصوصًا في ظل ما تثيره القوة الصينية من مخاوف في الغرب، واستمرار توسع مبادرة طريق الحرير، والتنامي المطرد للقدرات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية. كما أعلنت بكين في مايو الماضي استراتيجية "التداول المزدوج" الجديدة: تنمية المزايا التي تتمتع بها السوق الضخمة في البلاد، فضلا عن إمكانيات الطلب المحلي لوضع نمط جديد للتنمية، يتميز بالتداول المزدوج المحلي والدولي الذي يُكمل كل منهما الآخر، علمًا أن كفهوم التداول المزدوج يكرس طموح الصين طويل الأمد أن تصبح مكتفية ذاتيا.

يسلط بول سوليفان، الزميل غير المقيم في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي، الضوء على تداعيات الأزمة الأوكرانية، فيقول لموقع "سكاي نيوز عربية": "بعض الأسواق الناشئة تتعرض لضغوط هائلة، وسيظهر هذا الضغط في الصين والولايات المتحدة، وقد يتجه كلا البلدين إلى عواصف اقتصادية".

ولا ننسى إمكانية اندلاع حرب بين الصين وتايوان، تكون شبيهة لما يجري اليوم في أوكرانيا، مع التذكير بأهمية مكانة تايوان في سلسلة التوريد العالمية على المستوى الصناعي، شأنها في ذلك شأن أوكرانيا على المستوى الزراعي. وليس أدل من ذلك أكثر من معناة العالم اليوم من تراجع الإمداد الأوكراني بالقمح، ما أوشك أم يهدد البشرية بالجوع.