في عام 2000، أدين عدنان سيد الذي كان آنذاك طالبا في السنة الرابعة بالمدرسة الثانوية بمدينة بالتيمور بولاية ميريلاند الأمريكية بقتل صديقته السابقة هاي مين لي.

وقد تصدرت القضية عناوين الأخبار في الولايات المتحدة، حيث صور الادعاء سيد على أنه شخص عنيف دفعته الغيرة إلى قتل شابة صغيرة موهوبة بشكل وحشي.

وفي يوم الاثنين الماضي، أصدر قاض أمرا بإسقاط إدانته وحدد مهلة للادعاء لتقرير ما إذا كان سيطالب بإعادة محاكمة سيد.

ظل سيد يؤكد براءته على مدى الـ 25 عاما الماضية. وقد اكتسبت قضيته دعما من مصدر غير متوقع: بودكاست.

ما هو بودكاست سيريال وكيف بدأ؟

بعد مرور أكثر من 10 سنوات على دخول سيد السجن، بعث ربيع تشودري، وهو محامي من بالتيمور وصديق لعائلة سيد، برسالة إلكترونية إلى صحفية تدعى سارا كوينغ وطلب منها إعادة التحقيق في جريمة قتل لي.

هذه الرسالة ساعدت في خروج الموسم الأول من بودكاست "سيريال" إلى النور. أذيع البودكاست للمرة الأولى في عام 2014، وسعت كل حلقة من حلقاته إلى وضع تسلسل زمني لما حدث في الليلة التي لقيت فيها لي مصرعها.

من قتل هاي مين لي؟

هذا هو السؤال الأساسي الذي يتمحور حوله البودكاست. تقول كوينغ في الحلقة الأولى "على مدى العام الماضي، كنت أقضي كل يوم في محاولة اكتشاف أين ذهب صبي طالب في المدرسة الثانوية في الساعة التي أعقبت خروجه من المدرسة في أحد أيام عام 1999".

المشكلة أن "الصِبية" الذين أجرت معهم مقابلات كانوا قد أصبحوا بالغين، وتغيرت رواياتهم.

وكلما كشفت كل حلقة عن تفاصيل جديدة - ومشتبه بهم محتملين جدد - كلما هب مخبرو الإنترنت لطرح نظرياتاهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي غضون شهور، أسهمت الثرثرة والمناقشات التي دارت حول قضيته في صدور الحكم بإعادة المحاكمة.

من المشتبه بهم الآخرون؟

في أحدث حلقة من حلقات بودكاست سيريال، تتناول كوينغ أسباب إسقاط إدانة عدنان سيد. تقول إن محاميه تحدثوا عن ظهور دليل جديد يشير إلى أن ممثلي الادعاء في المحاكمة الأصلية تقاعسوا عن التحقيق مع أثنين اشتبه بهما وقتها وكان المحققون على دراية بهما آنذاك. كما شكك محامو سيد في مصداقية شهادات الشهود ودليل الهاتف المحمول الذي استخدم لإدانته.

استمع القاضي إلى الدفاع، وقرر إبطال حكم إدانة سيد، ولكن ذلك لا يعني تبرئة ساحته من جريمة قتل لي. ويتعين على ممثلي الادعاء الآن أن يقرروا ما إذا كانوا سيطلبون إعادة محاكمة عدنان سيد أو يعيدوا فتح قضية هاي مين لي ويبحثوا عن مشتبه بهم جدد.

Image shows Sarah Koenig in 2015
Getty Images
بودكاست سيريال تقدمه الصحفية سارة كونينغ

لماذا حظي البودكاست بشعبية كبيرة؟

ساعد "سيريال" في رفع شعبية برامج البث الصوتي القابلة للتحميل، المعروفة بـ البودكاست. وبفضل أسلوب كونينغ الشيق وموضوع الحلقات الذي يتناول تفاصيل ومعلومات عن قصة جريمة حقيقية، واصل المستمعون تحميل حلقاته كل أسبوع.

الموسم الأول من سيريال حُمل أكثر من 300 مليون مرة، وعادة ما يوصف البودكسات بأنه واحد من الأكثر شعبية وشهرة في العالم.

ورغم أن المواسم اللاحقة لم تحظ بنفس القدر من الشعبية، فإن كوينينغ وفريقها ساعدوا بأكثر من طريقة في ابتكار صيغة البودكاست التي تجعل المستعمين يقبلون على الاستماع إليه بشغف كبير.

لكن هل ساعد البودكاست سيد؟

في عام 2015، حصل سيد على حكم بإعادة المحاكمة، وقد استند ذلك الحكم بشكل جزئي إلى ظهور دليل جديد أثناء إنتاج بودكاست سيريال.

لكن القاضي آنذاك رفض طلب الإفراج عنه بكفالة. وظل سيد في السجن لسنوات، بينما طلب فريق الدفاع عنه إعادة محاكمته، وحاول استئناف حكم إدانته أمام المحاكم، وصولا إلى المحكمة العليا.

في عام 2019، عرضت شبكة إتش بي أو ((HBO وثائقيا مكونا من أربعة أجزاء أخرجه تشودري تحت عنوان "قضية عدنان سيد".

وزعم الوثائقي أن إدانة سيد ترجع جزئيا لتحيزات عرقية.

وكشف الوثائقي في النهاية عن أن التحاليل الجنائية لم تجد أي آثار للحامض النووي لسيد على جسد لي وقت ارتكاب الجريمة.

ماذا عن لي وعائلتها؟

ترى عائلة لي أن حكم إدانة سيد كان عادلا، وأن العدالة تحققت خلال المحاكمة الأصلية.

في عام 2016، عندما صدر حكم بإجراء محاكمة جديدة لهذه القضية، أخبرت عائلة لي الصحفيين بأن البودكاست "أعاد فتح جراح قليلون يدركون ألمها"، وفق صحيفة بالتيمور صن. وقالوا أيضا إنهم يعتقدون أن البودكاست قدم معلومات مضللة للناس، وأعربوا عن أسفهم لأن "عددا قليلا من الأشخاص [كانوا] مستعدين للتضامن مع هاي".

وقبل إصدار القاضي حكمه يوم الاثنين، وجه يانغ لي شقيق الضحية نداء مشحونا بالعاطفة إلى المحكمة نيابة عن عائلته.

وقال يانغ لي: بالنسبة لي، هذا ليس بودكاست، بل هو واقع معاش - كابوس لا ينتهي عشناه على مدى أكثر من 20 عاما".

ما الخطوة التالية؟

بعد إسقاط إدانة سيد، بات أمام ممثلي الادعاء 30 يوما ليقرروا ما إذا كانوا سيطالبون بعقد محاكمة جديدة أم يسقطوا التهم الموجهة إليه.

وفي حالة إعادة فتح التحقيقات في جريمة قتل لي، قد تساعد الأدلة الجديدة على تبرئة ساحته.

كما أن ذلك ربما يساعد عائلة لي المكلومة على طي صفحة الماضي.

يقول ممثلو الادعاء إن هناك شخصين يحتمل أن يكونا مشتبها بهما "بديلين"، ولكن لم يتم الإعلان عن اسميهما أو توجيه اتهامات لهما في القضية.