يستمر برنامج طهران النووي في التطور بسرعة، إلّا أن الولايات المتحدة لا تفعل الكثير حيال ذلك.

إيلاف من بيروت: لماذا تتخذ إدارة بايدن هذا الموقف اللامبالي تجاه برنامج إيران النووي؟ عندما كان جو بايدن لا يزال مرشحاً للرئاسة الأميركية، كتب مقال رأي عن السياسة الخارجية الأميركية، وبالتحديد عن الجمهورية الإسلامية، أعلن فيه أن "تصحيح السياسة تجاه إيران يمثل أولوية". وأعرب عن قلقه العميق من [واقع] أن قرار دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي لعام 2015، أي «خطة العمل الشاملة المشتركة»، سمح لإيران بالحصول على مخزون ضخم من اليورانيوم المخصب، مما قلص بذلك فترة تجاوزها للعتبة النووية من عام إلى "بضعة أشهر فقط". ثم تعهد بايدن بإعادة الانضمام إلى الاتفاق "إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم" به.

ازداد الوضع سوءًا

يقول روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن منذ عام 1993 والخبير في السياسات العربية والإسلامية إضافة إلى سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، إن هذا النهج الدبلوماسي ساد على السياسة الأميركية بشكل أساسي، إذ ما زالت واشنطن مستعدة لإعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي عند موافقة إيران. لكن طهران لم تعلن موافقتها بعد، على الأقل حتى الآن. وفي غضون ذلك، ازداد الوضع سوءاً.

يضيف سالتلوف في مقالة نشرها موقع "معهد واشنطن": "منذ أن تولى بايدن منصبه، خصّب الإيرانيون اليورانيوم بشكل مكثّف. وقد تجاوزوا حدود خطة العمل الشاملة المشتركة وقاموا بتخصيب اليورانيوم بنقاء يصل إلى 20 ثم 60 في المئة، باستخدام أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً وتقدماً من تلك المسموح بها بموجب الاتفاق الأصلي. ونتيجة لذلك، ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أنتجت إيران قرابة أربعة آلاف كيلوغرام من اليورانيوم المخصب، من بينها 55.6 كيلوغرامًا بنسبة 60 في المئة".

إذا قررت إيران استخدام هذا اليورانيوم لأغراض عسكرية، فيمكنها أن تندفع بسرعة باتجاه تخصيب يصل إلى نسبة 90 في المائة في غضون أسابيع فقط، مما يحتمل أن تنتج ما يكفي من المواد الانشطارية لأجهزة نووية متعددة.

عرض ملطّف

على الصعيد الدبلوماسي، حسّنت الإدارة الأميركية عرضها لحث إيران على إبرام اتفاق نووي جديد. وبينما تصدت واشنطن عن حق لمطالب إيران بإزالة الحرس الثوري الإسلامي من القائمة الرسمية للمنظمات الإرهابية الأجنبية، إلا أنها قدمت تنازلات بشأن العديد من البنود الأخرى. يقول ساتلوف: "في ما يتعلق بالجانب النووي من الاتفاق، يُزعم أن الولايات المتحدة وافقت على السماح لإيران بالاحتفاظ بآلاف أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي صنعتها، في المخازن [من دون استخدامها]، بما يخالف شروط الاتفاق الأصلي. ومن خلال اعتراف المفاوضين الأميركيين، فإن النتيجة التراكمية لمثل هذه التنازلات هي أن الاتفاق الجديد لن يؤدي سوى إلى إعادة فترة "تجاوز" إيران للعتبة النووية إلى ستة أشهر، وهي نصف ما كانت عليه عندما انسحبت الولايات المتحدة من «خطة العمل الشاملة المشتركة» في عام 2018. ومن الناحية الاقتصادية، يُزعم أن الاتفاق الجديد يمنح إيران إمكانية الوصول الفوري إلى عدد معين من الأصول المحظورة، حتى قبل أن تصدّر معظم مخزونها الضخم من اليورانيوم المخصب لحفظه في بلد ثالث. كما أنه يفسح المجال لإيران للالتفاف حول الحظر المفروض على المعاملات المالية مع «الحرس الثوري الإسلامي»، الذي يسيطر على جزء كبير من الاقتصاد الإيراني، من خلال تقديم خيار للشركات الدولية بممارسة الأعمال التجارية مع الشركات التي يمتلك «الحرس الثوري» الإيراني حصة جزئية فيها (ولكن ليس حصة مهيمنة)".

يسأل ساتلوف: "لماذا ترفض إيران الآن عرضاً أفضل من ذلك الذي وافقت عليه قبل سبع سنوات، علماً أن القيود المفروضة على برنامجها النووي، المعروفة بـ "أحكام الانقضاء"، تبدأ صلاحيتها بالانتهاء خلال ثلاثين شهراً فقط؟". بحسبه، ربما حققت إيران مثل هذا التقدم التكنولوجي الهائل لدرجة أنها لا تريد إيقاف برنامجها النووي. وربما لا تكون العقوبات الحالية مؤلمة تقريباً كما نعتقد، حيث تكسب إيران ما يكفي من مبيعات النفط شبه السرية بحيث أن مزايا صفقة جديدة لا تُعد مغرية بما يكفي لاستبدال الواقع الحالي بمستقبل مجهول. ولعل إحجام إيران عن عقد اتفاق جديد يعكس الجدل الدائر على أعلى مستويات الحكومة، أو ربما تنتظر طهران ببساطة عرضاً أفضل من واشنطن.

البرنامج يتقدم وبسرعة

بغض النظر عن السبب الفعلي لذلك، يتمثل الواقع الخطر بأن برنامج إيران النووي يتقدم بسرعة، بينما لا تفعل الولايات المتحدة شيئاً يذكر حيال ذلك. ويبدو أن حوافزها لا تنجح. وتتردد إدارة بايدن في السعي وراء أي من وجهيْ الضغط الأكثر مناقشة على نطاق واسع، وهما: تشديد العقوبات أو جعل إمكانية اللجوء إلى بديل عسكري واقعاً. ويعني الوجه الأول من الضغط معاقبة الصين، التي تشتري معظم النفط الإيراني، وهي خطوة قد تدفع بكين إلى انتهاج سلوك أكثر عدوانية في شرق آسيا بينما تقيد في الوقت نفسه إمدادات النفط العالمية، وربما تزيد من التضخم. ومن شأن الوجه الثاني من الضغط أن يثير القلق بشأن نشوب نزاع مسلح في الخليج، والذي تقول الإدارة الأميركية إنها تحرص على تجنبه. وكانت النتيجة تقاعساً مذهلاً في سياسة الولايات المتحدة تجاه القضية النووية الإيرانية. فقد تشجب الإدارة الأميركية علناً التقدم المقلق الذي تحرزه إيران نحو تطوير قدرة في مجال الأسلحة النووية، لكنها أيضاً لا تفعل الكثير حيال ذلك.

يضيف ساتلوف: "اسمحوا لي أن أدلي بوجهة نظري الشخصية: أنا أعارض العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لأنها معيبة للغاية، وأعارض بشكل خاص الشروط المحسّنة التي عرضتها الولايات المتحدة منذ ذلك الحين لإغراء إيران بقبول نسخة ملطفة من الاتفاق. أعتقد أنه مهما كانت فوائد حظر الانتشار النووي التي قد يُسفر عنها الاتفاق، ستحصد إيران مزايا هائلة تفوق بكثير هذه الفوائد، بدءاً من إضفاء الشرعية على تقدمها النووي غير القانوني بشكل فاضح إلى تلقي مكافآت مالية كبيرة من شأنها تعزيز أعمال التخريب والإرهاب في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وفي رأيي، أصبحت الولايات المتحدة أساساً في عالم ما بعد «خطة العمل الشاملة المشتركة». والآن، يجب أن ينصب تركيز واشنطن على التنسيق مع حلفائها في أوروبا والشرق الأوسط بشأن استراتيجيات لردع إيران عن إحراز المزيد من التقدم النووي".

لكن إدارة بايدن تتبنى وجهة نظر مختلفة، إذ تعتقد أن الصفقة النووية الجديدة تستحق العناء. في الواقع، تعتبر أن الاتفاق النووي الجديد هو السبيل الوحيد لوقف تقدم إيران النووي الجامح، لكنها لا تفعل الكثير لإلزام إيران بقبول اتفاق جديد.

لا أحبذها

يتابع سالتلوف مقترحاً: "إذا أرادت إدارة بايدن تجنُّب ألم تشديد العقوبات أو الخوف من عمل عسكري، يمكنها أن تلجأ إلى طريقة ثالثة لرفع تكلفة رفض إيران للقبول باتفاق نووي، وهي التهديد بإلغاء التنازل الأساسي في صلب خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية، وهو الاعتراف بحق إيران في التخصيب. وأكثر من أي شيء آخر، كان أعظم إنجازات إيران في خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية اكتساب الشرعية الدولية لمطالبتها بالحق في التخصيب. وهي المطالبة ذاتها التي أصرت واشنطن على دول أخرى، مثل الإمارات العربية المتحدة، أن تتنازل عنها إذا أرادت التعاون مع الولايات المتحدة في المجال النووي".

يختم ساتلوف مقالته بالقول: "إذا كانت إدارة بايدن تريد فعلاً تهديد إيران، فقد تعيد الحق في التخصيب إلى طاولة المفاوضات. وتتمثل الطريقة الأكثر فاعلية للقيام بذلك في الحصول على التزام من دولة أخرى موقّعة على خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي على الأرجح بريطانيا، بإطلاق آلية العودة للحالة السابقة للاتفاق بحلول تاريخ محدد، ما سيطيح فعلياً بما تبقى من خطة العمل الشاملة المشتركة إذا لم توافق إيران على العودة إلى الاتفاق. أكرر أنني لم أُحبذ أبداً هذه الخطة، وبالتأكيد لا أُحبذ النسخة الملطفة منها والتي تعرضها إدارة بايدن على إيران حالياً. لكنني لا أحبذ كذلك التقاعس الأميركي. فإذا كانت واشنطن تعتقد حقاً أن الاتفاق النووي الجديد هو الطريقة الأكثر فاعلية لوقف برنامج إيران النووي الجامح، فلا ينبغي ببساطة انتظار قبول إيران باتفاق تتراجع قيمته في كل يوم تجلس فيه طهران على طاولة المفاوضات. يجب على الولايات المتحدة أن تتصرف، والآن".