الاضواء عالية ومسلطة بكل قوتها على جسد السلطة الفلسطينية الذي استفحل به الخراب الداخلي وملأته دمامل الفساد، فهل والحالة هذه توجد ميزة صحافية او اخبارية حقيقية في الكتابة في حيثيات الفساد المحرم طرقها في ما يتعلق بالانظمة العربية الاخرى، والملاحظ اليوم مدى اتاحة وسهولة تناولها بل والتشجيع عليه هكذا بالنسبة لسلطة تخلت عنها مثيلاتها وقاطعتها وعزلتها وسمعت فيها الكلمة الامريكية؟

الجديد في موضوع فساد السلطة الفلسطينية الذي ليس جديدا بل هو لصيق بتكوين السلطة السياسية ويبلغ عمره فوق الاربعين عاما، هو ان اخباره صارت اليوم متاحة، ولا بأس أبداً من ان نخوض فيها لدهور كما تريد “اسرائيل” وامريكا وكما يراد بالدليل وفوراً اثبات مقولة تيري رود لارسن كما تحدث بها أمام الأمم المتحدة.
وبما ان الكتابة والقول في فساد القيادة الفلسطينية لم يغد ميزة اعلامية من أي نوع فإن الميزة اليوم هو ان يظل يلهمنا حضور الشعب الفلسطيني ونضاله في قضية ذات خداعية كبيرة كهذه واسئلتنا وتأملاتنا وقولنا فيها، لا تملك اسئلتنا الا الانطلاق من القيم المطلقة ومن نضالية الشعوب التي يتواجد جنبا الى جنب فيها قوة بقاء لظاهرة مثل الفساد الذي يعرف عنه وعن شخوصه الكثير الآن ونحتار فيه كما في الأوجه المتعددة والمتناقضة في مجتمعات الشعوب المناضلة كما هو تناقض الشهيد والعميل الذي يبلغ عنه.

شعب يتطهر داخليا في كل يوم بدمه النقي الذي يدفعه راضيا مطمئنا وعلى اساس من المبدأ حتى حين يبدو الأمل في الخلاص والتحرر بعيداً او غير موجود في الواقع، لماذا لم يخترق جسد السلطة المريض بمثل هذه الروح؟ لماذا لم يشف بها وقد انتقل مكانيا الى بيئة الاراضي المحتلة التي تصهر بنارها حربها مع العدو؟ ولماذا لم تعد السلطة الوطنية الفلسطينية صياغة ذاتها على شاكلة شعبها متخلصة على الاقل من ظاهرة التذابح على المغانم المادية والصفقات بالملايين، واستغلال النفوذ؟ كيف تبقى قوة الفساد بهذه المنعة والتمكن في بيئة شعب يتطهر؟ هل هي الاسباب البنيوية لهذا البناء السياسي المحدد والمجلوب من الخارج ام ان الخارج والعدو معا كان لهما اسهامهما المتعمد في هذا الفساد؟

لا يستحق الشعب الفلسطيني ان تكون قيادته سلطة كهذه، وهي عبء عليه كما نرى اليوم. غير ان الاكثر أسى هو انجلاء سراب ان الحركة المعارضة للفساد هي شرعية ثورية او نضالية او جهادية تفرض تصحيحها لما أزمن من فساد من داخل فتح، كان ممكنا ان يكون الامر هكذا وكان سيجد التأييد الشعبي الفلسطيني، غير ان الذي تجلى هو اكثر سوءا من الفساد نفسه وهو تنازع فئاته على الوراثة والمكاسب بالغطاء الذي رأيناه وهو قناع الوجه والرشاش واسم كتائب شهداء الاقصى كناية عن الشرعية النضالية التي تفرض كلمتها على القيادة المتفردة.
عاد محمد دحلان من لندن الى فلسطين، وهاآرتس “الاسرائيلية” لا تترك شكا في انه هو “المحرض”. وهكذا الفساد لا ميزة بينة في الحديث فيه.