ابطال الحركة الصهيونية، بين انعقاد المؤتمر الصهيوني الاول في العام 1897، والحركة السياسية والعقائدية لأرييل شارون في زعامة اسرائيل في العام 2004، هم عادة ابطال متعددو الادوار. تتراوح ادوارهم بين التبشير بين الجاليات اليهودية في كل ارجاء العالم بالانسلاخ عن مجتمعاتهم والتجمع في فلسطين (ارض الميعاد)، والعمل على الاستيلاء على مزيد من اراضي فلسطين، وعقد المزيد من التحالفات في الدوائر الدولية الفاعلة، وتثبيت البنى التحتية للمهاجرين الى lt;lt;أرض الميعادgt;gt;، والعمل على تهجير او الغاء او تفتيت وتذويب شعب فلسطين الاصلي، حتى استكمال كل عناصر تحقيق الحلم الصهيوني، في أقصى طموحه.
هذه الادوار المتعددة لابطال العقيدة الصهيونية، كان هناك دائما، في كل المراحل، من يتسابق على إدائها، كل حسب مواهبه وقدراته واندفاعه.
غير ان من يراقب بدقة التحرك الدؤوب لأرييل شارون في السنتين الاخيرتين، يبدو له ان شارون يحاول ان يقوم بكل هذه الادوار مجتمعة، اي ان يجمع في شخصه وزعامته، كل ادوار ابطال العقيدة الصهيونية، في كل المجالات.
هذا ما يبدو بشكل عام من رصد الحركة العامة لارييل شارون، وهذا ما أوحت به الدعوة الاخيرة التي وجهها شارون ليهود فرنسا بالهجرة الى اسرائيل.
لقد انتهز شارون فرصة لقائه بعدد من ممثلي الجمعيات الاميركية الذين يقومون برحلة مساندة لاسرائيل، فأكد ان اللحظة مناسبة، ليهاجر كل يهود العالم من بلدانهم ويتجمعوا في اسرائيل، ولكن الأكثر الحاحا، في هذه اللحظة بالذات، هجرة يهود فرنسا، بحجة ارتفاع موجة اللاسامية هناك.
لوهلة يبدو هذا التصريح صادما ومفاجئا، على اساس ان هناك ما يكفي من تراكم المصائب والويلات الارتدادية للمشروع الصهيوني، كما خططت له الحركة الصهيونية، والدوائر الاستعمارية الاوروبية القديمة، وان الاتجاه الدولي العام يميل الى الاكتفاء من هذا المشروع بما تم تحقيقه حتى الان على ارض فلسطين، وفي المنطقة، والعمل بالتالي على ايجاد تسوية سياسية، تقوم على تحول اسرائيل بمن تدفق اليها حتى الآن من المهاجرين اليهود، الى جزء طبيعي من المنطقة، وحل مشكلة فلسطين يمنح من بقي من شعبها، على ما تبقى من ارضها، دولة مستقلة.
ولكن يبدو ان التحالف الاميركي الاسرائيلي، في مراحله الجديدة المتطورة في عهد بوش الابن، استنادا الى القواعد القديمة الراسخة لهذا التحالف، يرى على العكس من هذه التوقعات او التمنيات المتفائلة، ان هذه اللحظة التاريخية، بكل تفاصيلها (فلسطينيا وعربيا ودوليا) هي اللحظة الانسب للمضي بالمشروع الصهيوني الاساسي الى آخر مداه، وهو المدى الذي طالما بدا اسطوريا، غير قابل للتطبيق العملي.
فإذا عدنا الى موقع شارون في هذا السياق العام لتطور الصراع العربي الاسرائيلي، فإننا نلاحظ ان كثيرا من المغريات الراهنة تفتح شهيته على الامعان في ما اسميناه محاولات تجميع كل ادوار الابطال المثاليين للحركة الصهيونية، في زعامته. وعلى رأس هذه المغريات، ان الصراع، في لحظته التاريخية الراهنة، يبدو انه فقد مبررات وصفه بالصراع العربي الاسرائيلي. وهو واقع معقد لا مجال في هذه العجالة لتحليل اسبابه وتحديد المسؤوليات فيه. ولكنها، بغض النظر عن المسببات، لحظة ذروة في الطلاق بين العمل العربي والعمل الفلسطيني، اضافة الى كونها ذروة في التفكك العربي والعجز العربي، والاحباط العربي العام، والمخاض العسير داخل الحركة الوطنية الفلسطينية المحاصرة، في لحظة تلقي بظلالها على كل المجالات الرسمية للعمل العربي، كما على القطاعات الشعبية، في كل او معظم بؤر الحيوية فيها.
إنه بعبارة عامة واحدة وقت عربي ضائع، يجد فيه شارون مناسبة لطموحه المجنون بتذويب شعب فلسطين سياسيا، وتحويل ما تبقى منه في lt;lt;الجوارgt;gt; الاسرائيلي، قوة بشرية تابعة بكل معنى الكلمة، وجسرا فعالا، ان أمكن، بين اسرائيل وجوارها العربي، يسهل لها (إذا استمر التفكك العربي والعجز العربي، كما تطمح اسرائيل) اداء دورها المهيمن في المنطقة، كما في اساسيات العقيدة الصهيونية، وأساسيات الدور التاريخي لاسرائيل، ذي المواصفات الاستعمارية الاوروبية سابقا، والمواصفات الامبراطورية الاميركية حاليا.
- آخر تحديث :
التعليقات