زرته في المستشفى.. كان ما زال في غرفة العناية الحثيثة.. وعدد كبير من اصدقائه ومعارفه والمؤمنين بدوره ومواقفه يقفون في الباب وقد جاءوا لزيارته.. كانت الاعداد كبيرة وكان من الخطر ان يسمح للجميع بالعبور الى هذه المنطقة المحظورة. كما كان من الصعوبة عليه ان يستقبل كل هذا العدد وهو في وضع وقد ثبتت رجليه خاصة وان البعض من الزائرين حاول ان يقبله ولم يدرك مدى خطورة ذلك على حالة مثل حالته حيث جرى تجميع اجزاء تمزقت من رجله بعد ساعات من معالجات أولية في رام الله.
نبيل عمرو لم يتغير.. لم يهزمه التدمير الذي لحق بجسده وهو الذي قرأ رواية الشيخ والبحر لأرنست همنجوي «الانسان يدمر لكن قد لا يهزم» فالكثيرون انسحبوا وصمتوا وهزموا دون ان يمسّوا او حتى يجرحوا وانطبق عليهم القول «الانسان قد يهزم دون ان يجرح او حتى يقاتل او يضحي».
حين دخلت عليه قال «يا قلم ما يهزك ريح» وأحسست لحظتها انه قد قدم مدادا لقلمه من دمه.. فنبيل صاحب موقف ورؤيا ظل يؤمن بها وظلت تحركه وقد دفع ثمن رؤيته التي كادت ان تودي بحياته... ورؤيته التي اطلق عليه الرصاص بسببها لم تكن تقوم على الرصاص او حمل بندقية وانما هي رؤية تفهم الصراع مع اسرائيل في هذه المرحلة فهما آخر وتدرك ان للانتفاضة شروطها ومعطياتها ومناخها وان خروجها عن ذلك وتجاوزها للخط الاحمر بعسكرتها يعادل الاستسلام.. ولذا فان الذين عاثوا وما زالوا يعيثون وحملوا بنادق واطلقوا النار باسم المشروع الوطني الفلسطيني وقادوه الى مغارة شارون ظلوا طلقاء في حين اطلق الرصاص على قلم نبيل عمرو على فكره ومواقفه.. لأنه شاهد حذر ونصح وعمل على التغيير.
نبيل ليس اول ضحية ولن يكون آخر ضحية للارتجال وغياب القانون والفلتان الامني والزعرنة وجماعة ابوالجماجم أو أبوموس كباس.. فلقد ظل الشعب الفلسطيني ينزف ويدفع خيرة ابنائه ثمنا للارتجال والفردية وسوء التنظيم وغياب القيادة الواعية الحريصة والقادرة على توفير المشاركة واتخاذ القرار السليم.. واغتيال امثال نبيل أو التخلي عنهم يعني تسليم مقدرات الشعب الفلسطيني للمستهترين.
من قبل قتلت اسرائيل المعتدلين من قيادات الشعب الفلسطيني وصفّتهم في مواقعهم بالاغتيال والتفجير والخطف لأنها لا تريد ان تذهب الى سلام عادل او تسوية تعيد للشعب الفلسطيني حقوقه ولا تريد لصوت العقل والمنطق ان يحرجها. كان يهمها من يستعجل في زج الشعب الفلسطيني الى معارك غير مدروسة وصدامات غير مخطط لها وعنتريات لا تصل الى هدف.. كان نبيل لمثل هؤلاء بالمرصاد نقدا وادانة ومحاولة للكشف عن مخاطر ذلك. ولذا كان اعداؤه هم المتطرفون في الخندقين الاسرائيلي والفلسطيني وقد يكونون أجمعوا على كسر قلمه وتعتيم رؤيته من خلال قتله الذي لم ينجح ليستمر الصراع العقيم!!
نموذج الاعتداء على نبيل رأيناه خارج فلسطين وداخل فلسطين.. وحين تضعف الارادة وتغلب الهوى وتصبح المواقع لا تستمر الا بتغطية الفساد والسكوت على الخطأ وحماية منتهكي القانون يسقط مثل نبيل عمرو جريحا و شهيدا و محاصرا في منزله.
ما نراه الآن من فوضى وانفلات في الشارع الفلسطيني يمزقنا نحن الذين راهنا على ارادة هذا الشعب الباسل المكافح الذي يأتي الان من يطعن نضاله الذي يتحول الى وظائف وامتيازات وتعيين واستقالات قبل تحقيق الدولة وفي مرحلة التحرر الوطني.
ما يجري كارثة لا تحتاج الى تفسير بعدما رأينا دم نبيل عمرو يسفك دون ان يحدد القتلة بعد.