عمان ـ حاتم العبادي: ألقت ازمة تسريب أسئلة التوجيهي، التي حدثت هذا العام لأول مرة بتاريخ الامتحان الذي مضى عليه ثلاثة وأربعون عاما، مجددا، تساؤلات حول الجدوى من الامتحان. ولأن عملية القبول في الجامعات مرهونة بنتائجه، فقد تجددت الدعوات للاستعاضة عنه بطريقة جديدة لعملية تقييم مرحلة التعليم العام وتكون أساسا لعملية القبول الجامعي، وتعددت وجهات النظر حول احتمالات تطويره وتحديثه.
وعلى رغم تأكيد مختصين على ضرورة عقد امتحان عام في نهاية أي مرحلة تعليمية، إلا أنهم انتقدوا «التوجيهي» لجهة مضمونه وأسلوب عقده داعين إلى إجراء مراجعة شاملة للامتحان وتطويره بما يحقق الهدف منه.
ويرى هؤلاء أن «فك الارتباط» بين نتيجة الامتحان والقبول في الجامعة والاستعاضة بالشهادة المدرسية أو بامتحان قبول تجريه كل جامعة أمر صعب أو غير مقبول في الوضع الحالي.
أهمية عقد امتحان عام
ويقول رئيس مركز تنمية الموارد البشرية، وزير التربية السابق الدكتور منذر المصري إنه «من حيث المبدأ وبغض النظر عن محتوى امتحان التوجيهي ، فان النظام التعليمي العالمي يقضي بان يكون هنالك نظام تقييمي لأي مرحلة تعليمية» وهو ما أشار إليه مدير وحدة الامتحانات والتقييم بجامعة البلقاء التطبيقية السابق الدكتور حسن زيادة الذي أوضح «في ظل سياسة القبول الجامعي المتبعة حاليا لابد أن يكون هناك امتحان عام».
ويتفق الخبير في مجالات امتحان الثانوية العامة، مدير دائرة الامتحانات السابق في الوزارة احمد السالم مع ما ورد، ويدلل على ذلك بالقول «كلما تعددت المقاييس اختلفت القياسات». إلا انه أورد أسبابا أخرى، منها أن الأردن «وقع اتفاقيات مع دول أخرى بالاعتراف المتبادل بشهادة الثانوية العامة، إلى جانب انه بعد أن ينهي الطالب المرحلة الثانوية ماذا سيمنح في حال الغي الامتحان».
التلقين
ومن خلال تساؤلات عدة يشخص الدكتور المصري امتحان التوجيهي : «من هي الجهة التي تعقد الامتحان، هل هي الجهة التي تعلم أم التي تستقبل، وما هي طبيعته؟» إذ أوضح أن الامتحان يميل اكثر من اللازم إلى «البعد التحصيلي» مشددا على ضرورة مراعاة بعد قياس القدرات أي ان يكون الامتحان مزيجا من البعدين «تحصيلي وقياس قدرات».
ودعا إلى تطوير الامتحان بحيث يقلل العنصر الذي يركز على الاستظهار لصالح العناصر التي تركز وتشدد على قياس القدرات والمقارنة مشيرا إلى أن «جانب قياس القدرات ما يزال ضعيفا».
وذلك ما أشار إليه الدكتور زيادة بالقول إن «طبيعة امتحان الثانوية العامة ما تزال تركز على الحفظ فقط» ودلل على ذلك بان «معظم الأسئلة تتضمن» عدّد، اذكر.. وغيرها».
اشراف جهة مستقلة
وفضل المصري أن «تكون هنالك جهة عامة تشرف على الامتحان تمثل فيها الجامعات والقطاع الخاص ووزارة التربية والتعليم (...) ولابد من (فصل قوات) الجهات التي تعلم عن الدور التقييمي لمخرجات التعليم» كما هو الحال في دول العالم.
تغير الأسلوب
مقابل دعوة الدكتور المصري إلى جعل الجهة المسؤولة عن الامتحان جهة مستقلة، رأى زيادة أن «أسلوب الامتحان يشكل في حد ذاته توترا للطلبة» خصوصا مع التغييرات التي أجرتها الوزارة من باب تخفيف هذا التوتر، وقال إن «الوزارة خاضت في أمور معقدة ( نظام الرزم، والدورتين) مشيرا إلى أن كان الطالب يمضي أسبوعين في فترة الامتحان، توزع التوتر وحالة القلق على سنتين أو أكثر(...)».
واقترح الدكتور زيادة بان «يتقدم الطالب في اكثر من مادة لامتحان يقيس ويقيم استيعاب الطالب ومدى فهمه لتلك المواد وليس مدى حفظه لها من خلال جلستين، على غرار ما هو متبع في امتحان الشهادة الجامعية المتوسطة(الشامل) بما يخفف التوتر وحالة الإرباك التي يعيشها الطالب وذووه بسبب الامتحان».
وهو ما ذهب إليه السالم بالقول أن التغييرات التي أجريت على مواد الامتحان بزيادة عدد المواد إلى(11) مادة ، بمثابة عذاب للطلبة، متسائلا عن الأسباب التي أدت بالوزارة لجعل معظم المواد إجبارية لطلبة الفروع.
ربط الامتحان بالقبول الجامعي
وفيما أرجع زيادة عدم ربط القبول الجامعي بامتحان تجريه الجامعة أو الكلية التي يرغب الطالب الالتحاق بها إلى «عدم الثقة من حصول تدخلات تفقد هذا الامتحان نزاهته»، اعتبر المصري أن مراعاة المستوى الأكاديمي للطالب وتوجهاته خلال فترة الدراسة بعملية القبول، مستحيلة لصعوبة توفير الوسيلة المناسبة.
أما السالم فيرى أن الاستعاضة عن نتيجة الامتحان العام بنتيجة المدرسة أمر غير منطقي وغير موضوعي باعتبار ان كل مدرسة ستحاول أن تمنح طلبتها أعلى الدرجات الأمر الذي يطرح تساؤلا عن المقياس آنذاك موضحا انه "كلما تعددت المقاييس اختلفت القياسات.
ولاحظ أن عملية إلغاء التوجيهي لها موانع كثيرة منها أن هنالك اتفاقيات مع دول أخرى للاعتراف بنتائج الامتحان مقابل اعتراف الأردن بنتيجة امتحاناتها ويقول بهذا المجال إن «جميع دول العالم تقرر امتحانا عاما لغايات القبول، وان الولايات المتحدة الأميركية تراجعت عن قرار اعتماد النتيجة المدرسية لغاية القبول الجامعي بعد ثلاث سنوات من التجربة وقررت عقد امتحان عام، وهو امتحان الـ «sat».
ويقول المصري إن «عملية مراعاة مستوى الطالب خلال فترة الدراسة ،عند القبول الجامعي، صعبة خصوصا في ظل كثرة المدارس وتنافسها الأمر الذي قد يؤدي إلى عدم موضوعية التقييم" مشيرا بهذا الصدد إلى أن وزارة التربية استخدمت هذا النظام في امتحان الصف التاسع وذلك باحتساب جزء من العلامة المدرسية في الامتحان العام (...) وكانت دائما النتائج المدرسية عالية ومرتفعة».
ورغم تطبيق وزارة التربية للرتبة المئينية مقابل العلامة المئوية، إلا هذه الرتبة لا يؤخذ بها وانما فقط مع العلامة المئوية مشيرا إلى أن استخدام «المئينية» أفضل من العلامة المئوية من حيث تقييم مخرجات الامتحان وفقا للدكتور المصري الذي دعا إلى تفعيل العمل بها.
والرتبة المئينية تقيس مستوى الطالب مقارنة بجميع الطلبة الذين تقدموا للامتحان, ليس فقط ما هو مقدار تحصيله من علامات من اصل المجموع.
وأشار إلى أن الأخذ بها قد يساعد الجامعات في تحديد من هم الذين سيقبلون فيها إلى جانب أن النتائج المبينة على الرتبة المئينية تستطيع من خلالها إجراء مقارنة مع نتائج الامتحانات في السنوات السابقة.
وبهذا الصدد يقول رئيس جامعة الزرقاء الأهلية الدكتور إسحاق الفرحان ( وزير تربية وتعليم سابق) إنه «في ظل الوضع الراهن لابد أن يكون هنالك امتحان الثانوية العامة» إلا انه دعا في ذات الوقت إلى تطويره وتطوير أسس القبول.
ويرى انه «ما دام هنالك تفاوت في أداء ومستويات المدارس لا يمكن تطبيق ما هو متبع في الدول المتقدمة، التي تعتبر الشهادة المدرسية البوابة للحياة العامة في ظل وجود مناهج وأعضاء هيئة تدريس أكفاء يشرفون على تدريسها، فيما يعتمد نظامان لغايات القبول أحدهما تجريه الجامعة وأخرى يجرى على مستوى الولاية أو الدولة لقياس مهارات الطالب وقدراته وكل جامعة تشترط علامة معينة في هذا الامتحان للقبول فيها».
ويشير الفرحان الى تفاوت مستويات المدارس في المملكة الأمر الذي جعل هنالك استثناءات، لا يمكن معها تطبيق هذا النظام» داعيا إلى أن تقوم وزارة التربية والتعليم بوضع برنامج خاص لمعالجة التفاوت وتحدد مدة معينة للقضاء عليه ليتسنى للجامعات تطبيق ما هو معمول به عالميا».
ويقترح الفرحان أن لا تعتمد عملية القبول في الجامعات على نتيجة امتحان الثانوية العامة فقط بحيث يخصص جزء لعلامة الطالب في التوجيهي ونسبة لامتحان تعقده الجامعة في المهارات الأساسية إلى جانب تخصيص نسبة لتحصيل الطالب في المدرسة خلال السنتين الأخيرتين قبل امتحان الثانوية العامة.
الوزارة : نحن نطور
اما وزارة التربية والتعليم فتعتبر أن امتحان الثانوية العامة المعيار والمقياس الحقيقي لجميع الطلبة ،وإنها تعمل وضمن دراسات علمية وأكاديمية للارتقاء بالامتحان.
وقال الناطق الرسمي باسم الوزارة ايمن بركات إن «الوزارة تدرس عاما بعد عام نتائج الامتحان وتعمل على تطوير الآليات والارتقاء بها» مشيرا أن الآثار النفسية والاجتماعية التي يتركها الامتحان لدى الطلبة تأتي في سياق عملية التحول والتغيير التربوي نحو تطوير آليات الامتحان للتخفيف من القلق والتوتر الذي يصاحب الامتحان الذي يمثل المقياس الحقيقي للطلبة والذي يضعهم على قدم المساواة ويحقق العدالة إلى جانب اعتباره الناظم لجميع المراحل الدراسية.
وبين أن «هذا الامتحان موجود في معظم دول العالم بما فيه المتقدمة».
وأضاف ان «الوزارة وحرصا منها على التحديث للامتحانات والاختبارات، فقد جرى تطوير امتحان الدراسة الثانوية العامة من خلال شهادة الكفاءة المدرسية، بحيث يتم منح هذه الشهادة للطلبة الذين لم يستكملوا النجاح بالثانوية العامة لكنهم نجحوا في مواد الثقافة المشتركة ومادة تخصصية لا يقل عدد ساعاتها عن أربع ساعات».
وبين أن تلك الشهادة «تؤهل حاملها للعمل في وظائف لا تحتاج إلى مهارات عالية في المؤسسات العامة والخاصة، وكذلك تطبيق نظام الفصول الدراسية، وتعديل وتحديث إجراءات معالجة قضايا الغش في امتحان الثانوية العامة».
ويبقى السؤال : ما هو مصير من لم يتمكن من النجاح في الثانوية في ظل محدودية فرص العمل ليس فقط لهم بل للناجحين أيضا وحملة الشهادات الجامعية؟ وهل إعطاء الطالب شهادة الكفاءة المدرسية، هي بمثابة رخصة لممارسة مهن معينة؟ علما أن عدد الذين يتقدمون سنويا إلى «التوجيهي» يزيد عن مئة ألف طالب وتبلغ نسبة النجاح فيه ما يقارب الخمسين بالمئة!.
- آخر تحديث :
التعليقات