دمشق - ابراهيم حميدي: لم تعد أهم "هدية" يمكن أن يحملها مسافر الى اصدقائه في مصر أو دول الخليج العربي, حلويات ومنسوجات شامية أو صابون الغاز أو زعتر من حلب, بل علبة من أحد الأصناف السورية لـ"فياغرا" التي راحت صناعتها وتجارتها تنموان بقوة "تحت الطاولة الرسمية" في دمشق وعواصم أخرى عربية.
هذه التجارة الرائجة في "السوق السوداء" توفر ملايين الدولارات للمصنعين والسماسرة, ما أدى الى ارتفاع عدد المصانع السورية الى عشرة خلال أربع سنوات, وتقليد شركات هندية الأسماء التجارية السورية, لأنها اثبتت "فعالية طويلة وقوية", خصوصاً تلك الحبات الآتية من الشمال السوري, المشهور بـ"الشطة" والبهارات الحارة.
كان محمد السخني صاحب مصنع "آسيا للصناعات الدوائية" أول الحاصلين على ترخيص حكومي نهاية التسعينات, لانتاج "فياغرا" وطنية باسم "فيغا" وبأسعار خيالية, تصل الى نصف دولار للحبة, ما شجع آخرين على أن يحذوا حذوه, بعد "تساهل رسمي في منح التراخيص والشروط". ووصل عدد المصانع الى عدد الأصابع المستقيمة. لكن السخني بقي "مسيطراً على الجو محلياً وعربياً", كما يقول مسؤول في مصنع "الفا" المنافس, لصاحبه الحلبي أحمد الشهابي.
الحصول على تقديرات رسمية لنتاج المصانع العشرة وحجم تصديرها شبه مستحيل, إذ تعمل في الظل, بعيداً عن ضرائب وزارة المال ومراقبة الحكومة والمعايير الدولية, وذلك عبر تغيير حرف أو اثنين في الاسم التجاري الأصلي "فياغرا", مستفيدة من عدم انضمام البلاد الى "منظمة التجارة الدولية" والتزاماتها المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية.
لكن تقديرات عائدات سورية تتراوح بين 10 و20 مليون دولار سنوياً, في حين قال لـ"الحياة" مدير الانتاج في مصنع "آسيا" عبدالناصر سيجري ان العائدات لا تتجاوز خمسة ملايين دولار, من انتاج نحو مئتي ألف حبة سنوياً.
وزارة الصحة فرضت سعراً ثابتاً هو ثلاثة دولارات لكل علبة تحتوي على أربع حبات, لكن المنافسة التجارية خفضت السعر الى دولارين للعلبة, والمنافسة ذاتها ترفع السعر من 20 الى 50 دولاراً في بعض الدول الخليجية. وقال مسؤول في "الفا" لـ"الحياة": "اننا مضطرون لخفض الأسعار نتيجة المنافسة الهندية, كما نسعى الى ملاحقة بعض الشركات الهندية التي تستخدم الأسماء التجارية السورية, وتقدم منتجاتها بوصفها سورية, خصوصاً في مصر والامارات, لأن المصريين يفضلون المنشطات السورية".
في مقابل التكتم على هذا الموضوع, يبدي مسؤولون انفتاحاً لدى الحديث عن قطاع الصناعة الدوائية. اذ يقول سيجري الذي يشغل منصب نائب الأمين العام لمجلس الصناعات الدوائية ان 54 مصنعاً لبّى 89 في المئة من حاجة سورية, بحيث لا تستورد "مؤسسة فارمكس" الحكومية المحتكرة لاستيراد الأدوية سوى اللقاحات ومشتقات الدم والانسولين والمتعلقة بالأطراف السرطانية. ويضيف ان قيمة سوق الأدوية السورية تبلغ 350 مليون دولار "ما يعني اننا وفرنا على الموازنة 650 مليون دولار, نتيجة سياستنا الصارمة في ضبط الأسعار, لأن المعايير الدولية تفرض ان تكون حاجتنا بليون دولار, باعتبار أن السعودية تصرف بليوناً ولبنان ينفق 400 مليون دولار".