اليهود أن حاخاماتهم اختلفوا مع الرب ـ تسامى الله عن ذلك ـ فحكََّّموا بينهم وبينه حاخاماً منهم فحكم الحاخام على الرب بالاعتذار للحاخامات، وأقرَّ الرب ـ جل عن ذلك ـ بخطئه واعتذر؟ فلا عجب والحال هذا مع العنصرية اليهودية أن يكون الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بشأن السور العنصري موضوع احتجاج اليهود وكيانهم على القانون الدولي والمحكمة الدولية والشرعية الدولية، فاليهود يرون أنفسهم فوق الشعوب وفوق القانون، وكلما أوغلوا في الغي والجريمة والممارسات الإرهابية والعنصرية إلى الحد الذي لا رجعة فيه، وهم يزدادون كلاماً عن الأخلاق تعويضاً عما يفتقدونه كلياً منها!؟ ودم الغوييم الأمم وما يملكون محلل لهم بشريعة ذلك الشعب؟! الذي يعيش على فكر من مخلفات الأساطير وتاريخ ما قبل التاريخ.
قالوا عن حكم المحكمة إنه سياسي، وأن الجدار الذي يبنونه خارج الخط الأخضر أمني وليس جداراً يحدد حدوداً خارج القرار 242، وأن الأرض التي يقام عليها يهودية أو متنازع عليها وليست أرض الفلسطينيين، وأنه لا بد من إكمال الجدار ورمي حكم المحكمة الدولية التي تمثل أعلى سلطة قضائية في العالم في سلة المهملات.. وذكََّّروا العالم بأحكامهم المسبقة على هيئة الأمم المتحدة التي رفعت القضية إلى المحكمة بعد أن صدر حكمها، وقالوا إنها هيئة منحازة للفلسطينيين وغير عادلة؟! لكن تلك الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت عادلة وغير منحازة بنظرهم يوم تغاضت عن إقامة الكيان الصهيوني على حساب فلسطين والشعب الفلسطيني واعترفت به دولة، ويوم أهملت الاحتكام للقانون الدولي بشأن القضية برمتها، وأهملت تصرفات دولة الاحتلال البريطاني المخالفة للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة وهي دولة انتداب سلمت وطن الفلسطينيين لليهود لتكون لهم دولة على حساب شعب ما زال يعاني من التشرد والإبادة المنظمة والإرهاب الصهيوني المستمر.
نحن أمام وقاحة يهودية غير متناهية، تطال الهيئات والعدالة الدولية ورموزها، وتعمل على مسخ المعايير والقوانين والأحكام والقيم، وتلجأ إلى الهجوم كأفضل وسيلة من وسائل الدفاع، وتذهب إلى المدى الأبعد في الجريمة والإرهاب والإزراء بالخير والحق والعرف والخُلُق والعدالة عندما تجد في يدها قوة وتجد قوة تحميها من القانون والشرعية الدولية.
إن المحكمة الدولية التي أصدرت الحكم في قضية جدار الفصل العنصري كانت برئاسة القاضي شي جيونغ Shi Jiuyong, من جمهورية الصين الشعبية وهو من المشهود لهم، والمحكمة كما جاء في المادة الثانية من النظام الأساسي لتشكيلها: تتكون من قضاة مستقلين ينتخبون من الأشخاص ذوي الصفات الخلقية العالية الحائزين في بلادهم للمؤهلات المطلوبة للتعيين في أرفع المناصب القضائية، أو من المشرعين المشهود لهم بالكفاءة في القانون الدولي وكل هذا بغض النظر عن جنسيتهم. وحسب النظام وأعضاء المحكمة تنتخبهم الجمعية العامة ومجلس الأمن كل على حدة، وفق المادة الرابعة، وينبغي أن يكون تأليف الهيئة في جملتها كفيلاً بتمثيل المدنيات الكبرى والنظم القانونية الرئيسية في العالم وقبل أن يباشر العضو عمله يقرر في جلسة علنية أنه سيتولى وظائفه بلا تحيز أو هوى وأنه لن يستوحي غير ضميره.. كما تنص المادة 20 من النظام. وقد صدر قرار المحكمة في قضية سور العزل العنصري الصهيوني بالإجماع عدا تحفظ فرعي من قاض أميركي يهودي هو توماس بورغنتال، يعمل في ما يسمى متحف الكارثة اليهودي في واشنطن.. وقد عبر عن رأيه مستخدماً حقه وفق المادة 57 من نظام المحكمة.
وكل هذا لم يجعل حكم المحكمة، والقضاة الذين تشكلت منهم، والمدنيات الكبرى والنظم القانونية التي تمثلها، بمنجى من العجرفة اليهودية التي ضاق العالم ذرعاً بها، ومن الاتهامات العجيبة التي تدعمها دولة خارجة على القانون الدولي هي الولايات المتحدة الأميركية.
لقد قال اليهود عن قرار المحكمة والحكم الذي أصدرته أقوالاً بشعة ينبغي ألا يغفرها المجتمع الدولي لهم، وألا يتردد العرب في طرحها في المحافل المعنية، ومما قاله رموزهم وصحفيوهم:
ـ إن محكمة العدل الدولية فقدت كل معيار معنوي عندما لم تأخذ بالاعتبار سوى براهين قانونية بحتة (ايهود أولمرت) وهو يريد فيما يبدو أن تصدر المحكمة حكماً سياسياً يؤيد وجهة نظر الاحتلال الصهيوني وتترك الجوانب والبراهين القانونية؟!
ـ قرار محكمة العدل الدولية لا أخلاقي. وإن إسرائيل ترفض كليا رأي محكمة العدل الدولية. إنه رأي أحادي الجانب لا تقف وراءه سوى اعتبارات سياسية (شارون)؟! والتخبط والتناقض واضحان هنا بين رئيس الوزراء ونائبه!؟.
ـ إن محكمة لاهاي تصرفت مثل محكمة عرفية على أرض سياسية حيث اللعبة معدة مسبقا. بنيامين نتنياهو في (يديعوت أحرونوت).
أما صحافتهم فقد كالت شتائم قذرة للمحكمة والقضاة والحكم، قالت: قرار شرير، متحيز، ومشوه، ومثير للسخرية؟! أما القضاة فهم: جميعهم منافقون حسب ناحوم بارنيع في يديعوت 11/7/2004
لقد أصاب أحد المختصين بالقانون الدولي ريبلينك حينما قال: إن رأي المحكمة هذا يشكل أسوأ سيناريو بالنسبة إلى إسرائيل، لكنه قرار عادل وواضح جداً ومتوازن جداً بنظر القانون الدولي البحت. .
جانب من هذا الرأي يشكل خنجرا في خاصرة الصهاينة أما عدالة القرار فلا تهم الصهاينة في شيء، ما يهمهم هو أن يدمروا الحقيقة والقانون الدولي والشرعية عندما لا يكون حضورها في صالحهم، هذا هو نهجهم وتاريخهم ومنهجهم والمدرسة التي هم سدنتها.
إن القاعدة الصهيونية ـ النازية لم تتغير ـ إنها تعتمد فن الكذب وتوظف القوة: اكذب اكذب، ثبت الكذبة ثم سر إلى الأمام نحو أخرى تغرق خصمك فيها. اخلق حالة جديدة على الأرض بأية وسيلة.. كل الوسائل مباحة.. تكلم عن الأخلاق.. وهيئ له حالة جديدة، واكذب ثم اكذب حتى ترسِّخ الحالة الجديدة والكذبة الأخرى.. وهكذا دواليك.
هذا هو شأن الكيان الصهيوني المجرد من أي أثر خلقي أو قيمة إنسانية أو احترام للحقيقة والعدالة والعالم، ومع ذلك يتغنى اليهود بأخلاقية دولتهم والحركة الصهيونية المغموسة بدم الأطفال والنساء، ويقتل الصهاينةُ الفلسطينيين صباح مساء ويدمرون بيوتهم والبيئة التي يعيشون فيها، ثم يشكون من الإرهاب الفلسطيني، وهم دولة الإرهاب الأولى في العالم؟! ويزعم سدنة الإرهاب أولئك بأنهم يدافعون عن أنفسهم بقتل الفلسطينيين في بيوتهم وأرضهم التي يحتلونها؟! فهل عرف تاريخ البشرية فجوراً وكذباً أبشع من هذا وأفظع؟!
إن الولايات المتحدة تشن حملة شعواء ضد المحكمة الدولية والقرار والجمعية العامة للأمم المتحدة، وينبغي ألا يخيفنا هذا وألا يثبط من عزائمنا، بل ينبغي أن يضاعف جهودنا وثباتنا على الحق، وعملنا من أجل قضيتنا وفق القانون الدولي.
إنه من العار أن تتخذ بعض رموز الإدارة الأميركية والشخصيات مواقف فيها اتهام وإدانة لقرار صادر عن أعلى هيئة قانونية مرجعية معترف بها في العالم، ولكن ما ذا تعمل والعقل الأميركي النظيف مغيَّب تماماً، والعقل الأميركي ـ الصهيوني يتربع في سدة القرار؟! قال كولن باول: إن موقفنا أن القضية كان ينبغي أن لا تحال إلى المحكمة الدولية وإن إسرائيل غير ملزمة بتطبيق القرار؟! هذا وزير خارجية وممثل دولة تدعي أنها تحترم القانون والحقوق وتهتم بالعدالة؟! وقالت سلسلة النواب اليهود في الكونغرس كلاماً لا يليق بالكونغرس ولا بالدولة التي يحملون جنسيتها ويمثلونها أن يقولوه، فقد قالت سلسلة أو شركة: مايك بينس وشيلي بيركلي واليانا روس ليتنن وإليوت انغل.. إلخ، المعادية للعرب والفلسطينيين: إن اعتبار محكمة العدل لإسرائيل كدولة محتلة للأراضي الفلسطينية مهين بالعمق لأكثرية الأميركيين ولمعظم أعضاء الكونغرس؟! فهل الكيان الصهيوني غير محتل لفلسطين .. كل فلسطين!؟ وهل القرار 242 الذي ما زالت تقره الإدارات الأميركية لا يشير إلى ذلك؟! وهل الكيان الصهيوني أصلاً سوى دولة عدوان واحتلال وإرهاب وعنصرية أدانها العالم بالقرار الشهير رقم 3379 عام 1975 بنصه على أن: الصهيونية شكل من أشكال العنصرية؟! إن في قولهم ذاك إهانة لكل دول العالم والهيئات التي تمثلها وللضمير العالمي وللعدالة والمعايير الدولية. إنه تماماً المنطق الذي يرى تدمير العراق واحتلاله فضيلة أميركية، وقتل الفلسطينيين فضيلة صهيونية ونوعاً من الدفاع عن النفس!؟ ويرى استعمار الشعوب فضلاً من الدول المستعمِِرة على تلك الشعوب كما قال رديارد كبلنغ؟! هذه عقول عنصرية تماماً ومن الأسف أنها تؤثر في القرار الذي يتخذ ضد دول وشعوب وثقافات وحضارات من جانب أكبر قوة في العالم؟! إنها رموز شر ينبغي أن تحاكم كما يحاكم النازيون والعنصريون الصهاينة لا أن تكرس في مقامات التشريع وصنع القرار؟! لقد أساءت هذه العناصر للمحكمة الدولية ولهيبة القضاء العالمي ولبلدها بدفعها مجلس النواب الأميركي إلى استنكار قرار محكمة العدل الدولية وتحذير الدول التي تستخدمه من الأضرار السلبية القوية التي ستطرأ على علاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة؟! ذاك تلويح بالشر، وقرصنة مكشوفة، وإرهاب لخدمة الإرهابيين الصهاينة.. إنه تطاول على العالم بأجمعه، فهل يقبله الرئيس بوش أو المرشح كيري؟! أظن أن نعم.. فهذا الخبز من ذاك العجين.
لقد تحقق للعرب اليوم انتصار معنوي كبير بصدور هذا القرار عن محكمة العدل الدولية، ويحاول العدو الصهيوني وحلفاؤه أن يفرغوه من كل معانيه الكبيرة، وأن يشوهوا قيمته وتأثيره بتقديمهم له على أنه فتوى استشارية لا قيمة لها؟!
إن هذا غير صحيح على الإطلاق، لأن قيمة العدل ليست وقفاً على تنفيذه فقط، وإن كان ذلك ضرورياًً بدرجة قصوى، وإنما ترتبط قيمته بمعناه ومدلوله وما يمكن أن يبنى على أحكامه. ونحن نعرف أن الجهة المنوط بها التنفيذ هي مجلس الأمن الدولي المحكوم بالقوة الأميركية وبحق النقض الأميركي الأعمى، ونعرف أن الفيتو ينتظر هذا القرار ليقتله كما قتل سواه، ونعرف أن الولايات المتحدة هي قرصان العالم في هذا العصر، ونعرف عداءها للعرب والمسلمين، وتحالفها العضوي مع المشروع الصهيوني، ونعرف، ونعرف، ونعرف.. ولكن هل نعتقد أن هذا القرار بلا معنى وبلا تأثير على الرأي العام العالمي وعلى المرجعية السياسية والقانونية والأخلاقية التي يمكن أن يستند إليها العرب ويستفيد منها الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة ونضاله المشروع؟! وهل الجمعية العامة بلا قيمة ولا معنى ولا تأثير؟! أشك بذلك، وإن كنت أقول بأن الحق يحتاج إلى القوة لأنها أشد ردعاً للمعتدي من مجرد الرفض والاعتراض على فعله. ويجدر بالعرب أن يأخذوا قرار المحكمة الدولية هذا إلى مدى الانتشار الأوسع ليبيِّنوا للرأي العام العالمي مدى انتهاك الكيان الصهيوني لحقوق الشعب الفلسطيني وللقانون الدولي، ومدى إساءتهم لرموز العدالة الدولية التي اصطدموا بها مؤخراً، ومدى تحدي الولايات المتحدة وحليفها الإرهابي للإرادة الدولية والعدالة الدولية والرأي العام العالمي.
فلنعمل من أجل أن تكون دولة الكيان الصهيوني دولة مكشوفة ومنبوذة بكل المعايير والمعاني، وعلى أن تلحق بها عقوبات من الجمعية العامة للأمم المتحدة كما حدث في عام 1982 حين ضمت الجولان، حتى لو لم تنفذ تلك العقوبات بفعل القرصنة الأميركية فهي مفيدة، ولتكن الولايات المتحدة الأميركية الدولة الكبرى التي تنتهك القانون الدولي مرة إثر مرة، وتحمي الاحتلال والإرهاب الصهيوني، وتناصر الدولة الخارجة على القانون والمنبوذة من العالم.. فلتكن الولايات المتحدة مكشوفة تماماً أمام العالم بوصفها القوة المنحازة بتطرف، والعمياء المجردة من كل القيم ومن كل احترام للقانون الدولي والشرعية الدولية.. وأنها دولة خارجة على القانون بكل المقاييس، وتعمل وفق قانون القوة المستبدة، مستفيدة من الخلل الكبير في موازين القوة الدولية.. لقد فعلت ذلك في غزوها العدواني للعراق، وفي مناصرتها التامة لإرهاب شارون، وتمويلها لبناء الجدار العنصري المحكوم قضائياً بإزالته وبالتعويض على المتضررين من إقامته.. وفعلت ذلك بتمويلها للاستعمار الصهيوني، وتطوير أسلحته ذات القوة التدميرية الشاملة، كما فعلت ذلك في أماكن ومواقف عدة قبل ذلك في أماكن أخرى من العالم.
لقد كانت هي والكيان الصهيوني مع نظام جنوب إفريقيا العنصري وقت العزل والنبذ والعقوبات.. لقد وقفتا إلى جانب ذلك النظام وتعاملتا معه في ظل الحصار والعقوبات الدولية المفروضة عليه، وخالفتا دول العالم والشرعية الدولية بعنجهية كريهة.
إن قرار محكمة العدل الدولية يعيد الحضور للقرار 242 الذي شارك العرب في تدمير مراميه على انتقاصه من حقوقهم، ويثبِّت أن الأرض الفلسطينية محتلة وليست أرضاً متنازعاً عليها، ويقول الشيء ذاته عن القدس بالتحديد، ويعيد بعض الهيبة لقرار قمة العرب في بيروت.
قد قالت إحدى المختصات في القانون الدولي: مجرد أن تعيد المحكمة القول بأن اتفاقيات جنيف الرابعة تنطبق على الأراضي المحتلة يؤكد أن المستوطنات غير قانونية (هاكلينا فريجن ستيوارت ـ هولندا) فليفد العرب من ذلك كله إلى أبعد الحدود، وليحرص كل منا على ألا نخذل القضاء الدولي والرأي العام الدولي وأنفسنا ووطننا ومصالحنا قبل كل شيء بالانخداع أو بالتواطؤ كما فعلنا يوم ساهمنا بإسقاط القرار 3379 وبالقرارات الدولية المتعلقة بالحق الفلسطيني المقدس: حق العودة وحق تقرير المصير.. سواء بالاعتراف بالعدو أو بتطبيع العلاقات معه، أو بالقبول بنصوص مثل أوسلو ووثيقة جنيف، أو بتصريحات وتلميحات مثل يهودية الدولة وإزالة كل ما يعكر صفو الكيان الصهيوني وحاميه الأميركي؟!.
إننا نحتاج إلى وقفة شجاعة ومنصفة وصادقة وذكية ومبدئية مع الذات والحق والحرية والعدالة، كي يقف العالم معنا ومع حقنا ومع العدالة.
فهل نحن فاعلون؟؟