هل قرأتم ما سمي بالتقرير المنحاز من مبعوث الامم المتحدة شبه المقيم الذي نبهنا اليه الرسميون الفلسطينيون بتصريحاتهم المفجوعة وسلطوا الاضواء عليه حتى افسدوا حفلة الجميع بقرار محكمة العدل الدولية؟
هذه ابرز الفقرات التي اعتبرت خطيرة في التقرير الشهري الذي كتبه المبعوث تيري لارسن لمجلس الأمن الدولي منبهاً ان الاراضي الفلسطينية «تتوجه تدريجيا الى الفوضى» وأن القيادة الفلسطينية لا تظهر رغبة في اصلاح السلطة. ونبه أيضا الى انه «اصبح شلل السلطة الفلسطينية ظاهرا بوضوح، كما يتفاقم تدهور النظام في المناطق الفلسطينية تدريجيا». واضاف أن «انهيار السلطة هذا لا يمكن ان يكون سببه فقط عمليات التوغل والعمليات الاسرائيلية في المدن الفلسطينية. بل أيضا لأن السلطة تعاني من صعوبة حقيقية وهناك خوف حقيقي من انهيارها». وتابع بان الجهود المصرية الهادفة الى إصلاح الأجهزة الأمنية الفلسطينية حظيت بدعم رمزي وجزئي.
السؤال: هل هذا كلام منحاز وضد من ؟ هل يستحق هذه الغضبة المضرية من نبيل ابو ردينة، مستشار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الذي لم يكتف بنقد التقرير بل هاجم المبعوث مما اضطر زميله القدوة في الامم المتحدة الى اللجوء الى العذر التقليدي بأن المشكلة في الترجمة من العربية الى الانجليزية ؟ طبعا ما قاله ابو ردينة ينسجم مع غضبة قيادته من ان المبعوث الدولي شخص لا قيمة له، يعني تافه، وانه مشبوه وعلى عنان ان يأتي بغيره، الخ...
لكن ما قاله لارسن في تقريره الشهري يصب حقيقةً في صالح الفلسطينيين، فلم يطالبهم بأي تنازل عن أرض او لاجئين او ادارة، كل ما اشار اليه اصلاح الادارة وحسب، وحذر من خطر الانهيار. نعم أخطأ عندما انتقد قيادة ابو عمار. لارسن النرويجي، رغم كثرة تردده على المنطقة، غاب عنه ان الزعيم أهم من الشعب، وان صلاحيات الرئيس أهم من قيام الدولة الفلسطينية، وان كل من فتح فمه عن الاصلاحات دفع ثمنا غاليا. رئيس الوزراء الأول ابو مازن حاول، مجرد محاولة، ثم فر الى بيته معلنا عن استقالته، وكشف لاحقا أنه بات خائفا على حياته.
اما لارسن، الذي وصفه ابور دينة بالمشبوه والتافه، فهو المحترم والصديق سابقا يوم تبنى مواقف عديدة ضد الاسرائيليين. هو الذي زار مخيم جنين بعد اعتداء الاسرائيليين وانتقدهم ووصف الدمار في المخيم بأنه يشهد على «فظاعة تفوق التصور». ولارسن نفسه الذي رفض مقولة شارون عن انسحاب من غزة فقط مطالبا بالانسحاب من الضفة الغربية. قال «يجب ان يكون واضحا ان انهاء احتلال غزة يجب أن يرتبط أيضا ببدء عملية انسحاب من الضفة الغربية، وأن تؤدي هذه العملية لإنهاء احتلال وبناء الدولة الفلسطينية». وقبل ذلك اعترض على خطاب الرئيس الاميركي لشارون في قضيتي اللاجئين والحدود، وقال لا يحق لأحد ان يبت فيها بل تستند الى قرارات مجلس الأمن السابقة.
كل ما كتبه لارسن صحيح عن مخاوفه، ولا اعتقد انه كان يهدف به اقصاء ابو عمار من كرسيه، لكن واجبه التنبيه الى محذور الفوضى ومشكلة اجهزة الأمن المتعددة، وقاله من قبل كثيرون، فلسطينيون وعرب وأوربيون.