لا تزال الأزمة بين الولايات المتحدة الأميركية والترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) من جهة، والجمهورية الإيرانية الإسلامية من جهة أخرى مستمرة بخصوص ملف طهران النووي، وذلك بعد أن نجحت المساعي الأميركية الحثيثة في تحويل الملف الإيراني(مبدئياً) إلى مجلس الأمن.
ورغم المبادرات التي أعلنها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي أثبت من خلالها مدى التزام طهران بمبدأ الشفافية حيال برنامجها النووي المخصص للأغراض السلمية وذلك عندما دعا نجاد القطاعين العام والخاص من خارج إيران للمشاركة في تخصيب اليورانيوم وكذلك دعوته الأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة دولية محايدة تشمل دول الترويكا الأوروبية الثلاث ودولا أخرى لمراقبة البرنامج النووي الإيراني (في محاولة لإثبات حسن النية)، إلا أنه مع كل هذا فان الولايات المتحدة (لغرض ما في نفس يعقوب) كانت مصرة وبشدة على تسييس القضية وتحويلها إلى مجلس الأمن ضاربة بعرض الحائط الاقتراحات التي تقدم بها الرئيس نجاد!
لكن يبدو أن الرياح تسير بعكس ما تشتهي واشنطن، وأنها قد تؤدي في نهاية المطاف إلى عدم إتمام عملية تحويل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، خصوصا بعد فشل الولايات المتحدة في استصدار قرار عاجل بهذا الشأن، ناهيك عن فشل الترويكا الأوروبية في تشكيل إجماع دولي لتوجيه إدانة ديبلوماسية إلى طهران!
أما العقبة الأساسية التي أدت لعدم استكمال «الفرحة» والنجاح الأميركي لمشروع إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، فهو موقف كل من روسيا والصين (التي أبرمت اخيراً صفقة مع الإيرانيين بقيمة 70 مليار دولار لاستخراج النفط) عندما أعلنتا رفضهما رفع الملف الإيراني إلى مجلس الأمن, وليس هذا فحسب، بل انهما ( أي روسيا والصين) هددتا باستخدام حق النقض (الفيتو) داخل مجلس الأمن لإفشال أي قرار يقضي بفرض عقوبات دولية على إيران وهو ما تسبب في صدمة كبرى لدى ساسة البيت الأبيض.
ولا يعتبر الموقف الروسي والصيني من الملف النووي الإيراني العقبة الوحيدة أمام المساعي الأميركية الدؤوبة لتحويل هذا الملف الشائك إلى أروقة مجلس الأمن, فإيران مازالت تحتفظ بورقة غاية في الأهمية والحساسية تستطيع من خلالها قلب المعادلة لصالحها، ألا وهي سلاح النفط! إذ من المعروف أن طهران تعتبر ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك وتستطيع في حال وصلت الأمور معها إلى طريق مسدود تفعيل هذا السلاح من خلال حرمان السوق العالمية من أربعة ملايين برميل يوميا، الأمر الذي سيؤثر بشكل مباشر على أسعار النفط في العالم (قد يتعدى سعر البرميل 100 دولار) وهو ما سينعكس سلبا على اقتصاد العديد من الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة, صحيح أنه في حال أقدمت طهران على مثل هذا العمل فإنها ستتسبب في كارثة اقتصادية ستطال العالم أجمع، ولكن لسان حالها سيقول عندئذ «أنا الغريق فما خوفي من البلل»! لذلك فانه في حال أصرت واشنطن على موقفها وقررت المضي قدما في تحويل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن فإنها على ما يبدو ستدرك (متأخرة) أن حجم الخسارة التي ستلحق بها ستكون أكبر من حجم الربح الذي حققته خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التهديد الإيراني بالانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (التي تضمن لها حسب المعاهدة حق امتلاك برامج نووية للأغراض السلمية والاستفادة من التكنولوجيا الذرية)؟
ثمة جانب آخر من الموضوع! فقد توصلت كوريا الشمالية اخيراً إلى اتفاق (مبدئي) مع الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية بشأن ملفها النووي ينص على أن تتخلى كوريا الشمالية عن طموحاتها العسكرية مقابل السماح لها بإنتاج الطاقة النووية السلمية! وهنا يبرز سؤال: لماذا كل هذا الإصرار الأميركي على إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن واعتماد أسلوب «العصا لتأديبها» من خلال إطلاق التهديد والوعيد والتصعيد مع طهران، في حين أنها تصر على اعتماد مبدأ «الجزرة» من خلال طاولة المفاوضات والحل السلمي مع كوريا الشمالية؟!
في المقابل، أليس الأحرى والأجدر بالولايات المتحدة والترويكا الأوروبية بدلا من تعقب البرنامج النووي الإيراني المخصص للأغراض السلمية، إلى النظر بجدية أكبر إلى إسرائيل التي تمتلك من القوة النووية والعسكرية ما يجعلها تشكل أكبر تهديد حقيقي للأمن والاستقرار الدولي؟ ولكن ماذا عسانا أن نقول ونحن نعيش في عالم يرزح تحت وطأة سياسة الكيل بمكيالين والتناقضات السياسية الصارخة للعم سام!
من الواضح أن الإصرار الأميركي على إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن سيؤدي إلى قلب المعادلات الاستراتيجية الحالية كلها في المنطقة، خصوصا في حال نفذت إيران تهديدها باستخدام سلاح النفط والانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (البرلمان الإيراني أجاز للحكومة تعليق عضويتها من المعاهدة), ولكن يبقى السؤال: في ظل المأزق الكبير الذي تعيشه الولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان والدمار الذي خلفته العواصف الطبيعية التي باتت عنصرا فاعلا في إضعاف القدرات الأميركية أمام العالم، هل باستطاعة واشنطن يا ترى (في حال أخذتها العزة بالإثم) المضي قدما في فتح جبهة جديدة مع طهران وهي تدرك (على فرض) أن إيران ليست كالعراق؟!


كاتب كويتي
www.ataqi.com