الأحد: 16. 10. 2005

إذا صحت الأنباء عن ان وزارة الخارجية السورية طلبت من المحقق الدولي ديتليف ميليس ان يعلن مضمون شهادة اللواء غازي كنعان أمامه، تكون دمشق فعلت حسناً، خصوصاً أنها تشتبه بوسائل الاعلام بأنها وراء قرار انتحار وزير الداخلية السوري، وتتهمها بتداول كل انواع الاشتباهات والتهم في حق المسؤولين السابقين اللبنانيين والسوريين على السواء.

تكون دمشق فعلت حسناً عبر هذه الخطوة، لأنها تربط الانتحار، كما فُهم كذلك من المداخلة الإعلامية الأخيرة لكنعان نفسه، بالتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. ونشر الشهادة يكشف نقاط القوة والضعف في مساعي ديتليف من جهة، ويكشف أيضاً الحدود التي ذهب اليها في حديثه مع الرجل الأقوى في لبنان على امتداد عشرات السنين الماضية. ويكشف كذلك مدى ارتباط الانتحار بالكرامة الجريحة، كما اعلنت دمشق، او بالأوضاع السياسية العامة في لبنان وسورية والدور المحوري لكنعان في المنعطفات الأساسية السابقة وفي تطورات محتملة لاحقة.

وما يدعو الى الالحاح في كشف حقيقة الظروف التي احاطت بالانتحار، مثلما هي الحال بالنسبة الى الاغتيال، هو النفي القاطع الذي كرره الرئيس بشار الأسد لاحتمال تورط سورية بالاغتيال، وكذلك النفي القاطع لاحتمال ان يكون مسؤول سوري متورطاً في الجريمة من دون علمه، وإلا سيكون هذا التورط خيانة تستحق العقاب أمام القضاء الدولي او السوري.

التزامن بين بث مقابلة الرئيس السوري مع شبكة «سي ان ان» عشية اليوم الذي انتحر فيه كنعان صدفة بالتأكيد، ولا يمكن الربط بينهما قط، كسبب ونتيجة. لكن ثمة خيطاً دقيقاً جداً بين تشابك مهمة ميليس الذي سيعلن نتائج تحقيقاته في اغتيال الحريري، بعد ايام، وبين مخاوف التسييس للتقرير والاحباط الكبير الذي قيل ان كنعان عاناه مما آلت اليه الأمور في لبنان، نتيجة الاغتيال. وكما ان من مصلحة سورية ان يظهر تحقيق ميليس عدم مسؤولياتها عن اغتيال الحريري، وهي واثقة من ذلك بحسب ما تؤكد يومياً، من مصلحتها ايضاً تبديد الخيط الدقيق بين احداث تبدو متناثرة.

ما يُنسب من ايجابيات لعمل كنعان في لبنان (عددها وليد جنبلاط تعليقاً على الانتحار)، عندما كان قائداً لجهاز الاستطلاع في القوات السورية، تزامن مع صعود نجم الحريري وتوليه رئاسة الحكومة، ونشوء علاقة ود وصداقة بين الرجلين. كل ذلك كان ممكناً بفعل الظروف الاقليمية والدولية التي استطاعت سورية الاستفادة القصوى منها لتجديد دورها والتخلص من خصومها في لبنان، واستعادة التحكم بإدارته، بعد انحسار فرضه الغزو الاسرائيلي. وعندما اتهم وزير الخارجية السوري فاروق الشرع الإعلام اللبناني بالمسؤولية عن تشويه سمعة كنعان واختلاق دور للأجهزة السورية في اغتيال الحريري، يكون أعاد ربط مصير الرجلين بعد مقتلهما، الاول انتحاراً، والثاني غيلة. والمنطق يقضي، في مثل هذه الحال، استعادة كل الظروف والملابسات التي اودت الى كل من الحدثين، وان يكون القصاص ملائماً لكل من تسبب في أي منهما. فمعرفة الحقيقة في اغتيال الحريري يجب الا تكون اقل شأناً من معرفة الحقيقة في انتحار كنعان، خصوصاً ان الحدثين جاءا في ظروف اقليمية ودولية تتعارض كلياً مع تلك التي سادت يوم كانا يعملان معاً في لبنان.