هنالك من يرى الحياة على أنها مملة وروتينية... يفقد الشعور بمعنى الحياة... يريد أن يخرج مما هو فيه أن يبحث عن السعادة... ولكن ما هي السعادة؟ هل هي إرضاء رغباتنا الحسية؟ لو كان هذا الهدف للحصول على السعادة فأي خلل في الوسيلة التي تؤدي إلى هذا الهدف قد ينتج عنه غضب... إحباط... مما يجر صاحبه إلى التقوقع أو الهجوم. ولو كانت السعادة هي إرضاء لنرجسية الفرد مثل النجاح الدائم (هنا أعني أن مجرد فكرة الفشل مرفوضة)... التحكم بالغير... أن يكون الفرد مصدر اهتمام وإعجاب الجميع... الفوز بأي شكل من أشكال التنافس سواء كان مباراة أو مناظرة أو ما شابه... لو كان الأمر مجرد وضع أهداف والعمل على تحقيقها بطرق مشروعة من غير تعد على الغير مثل التخطيط للنجاح في التعليم أو العمل أو الحياة... القدرة على إدارة الغير بعدل وفاعلية داخل أو خارج الأسرة... المشاركة في أي مباراة بروح رياضية أو أي مناظرة أو حوار بعقل منفتح يحترم آراء الآخرين... عندها يكون الأمر مقبولا لأن الفرد بحاجة لوضع الأهداف والعمل على تحقيقها بالطرق المشروعة والأخلاقية... ولكن ماذا يحدث لو لم يتم ذلك؟ سوف يشعر المرء بالعذاب النفسي ويقتله مجرد التفكير بأنه يجب أن يعتمد على الغير... ولكي يتفادى ذلك تصبح الحياة بالنسبة له ميدان حرب وتنافسا يبرر ويحلل أي تصرف أو سلوك غير أخلاقي... كل ذلك لتلافي الشعور بالتعاسة... وهنالك من يجد السعادة في إسعاد أو مساعدة الغير... كرسم ابتسامة على وجه يتيم... أو فك كربة محتاج... أو إطعام جائع... جميل جدا... ولكن ماذا يحدث لو أن الفرد لم يستطع أن يقوم بذلك دائما... لأنه مهما فعل الفرد من أجل الآخرين سوف يظل هنالك من يحتاج المساعدة... عندها يشعر بالعجز وقلة الحيلة وهذا ما سوف يجره للحزن والإحباط... نعم نستطيع أن ننشر السعادة ولكننا لا يمكن أن نكون مصدر السعادة للجميع فهذا حمل كبير لا يستطيع شخص واحد أن يتحمله... السعادة الحقيقية تكمن في محبة الله سبحانه وتعالى... الله محبة... والله مصدر السعادة الذي لا حدود لمحبته وعطائه... عندما يدرك المرء ذلك يستطيع أن يعطي من نفسه من جسده من روحه من أجل إسعاد الغير من مخلوقات الله... من أجل إرضاء الله سبحانه وتعالى... قد يتخلل هذه التضحيات شيء من المشقة أو العذاب ولكن من يجعل هذا الهدف السامي نصب عينيه سوف يشعر بالسعادة... هنالك من يضحي من أجل الغير ولكن لأهداف أخرى وبالتالي يشعرون بآلام التضحية لا يعرفون عن السعادة والرضى شيئا... أنا لا أعني هنا أن نتوقع من الآخرين أن يضحوا من أجل إثبات محبتهم لنا... لأن المحبة بين البشر يجب أن تبنى على الاحترام والتعاون والاعتراف بحقوق الطرف الآخر... فإن التضحية لا تفرض أو تطلب... بل تقدم عن طيب خاطر.
إن الحياة اليوم، كما هي دائما، مليئة بمن نذر نفسه من أجل الآخرين... لكن هل نراهم... هل نشعر بهم؟ قد يتساءل البعض ماذا يعني لنا أن نشعر بهم؟ لأن بداخلهم جمالا لا يوصف... جمالا يشعرك بالسعادة لو أنك فقط استطعت أن تصل إليه... مثلا لو أن رجلين وقفا أمام لوحة فنية لشجرة وظلها وسط حديقة... ولدى الأول القدرة على التعمق باللوحة والتوصل إلى مواقع الجمال فيها بينما الآخر لا يرى شيئا سوى شجرة وظل وحديقة... من منهما سيشعر بلحظات من السعادة... من منهما سيغرز هذا المعنى الجمالي بداخله ويحمله معه؟ وهكذا يكون تأثير الجمال الداخلي على من لديه القدرة على ملامسته لدى الآخرين... يجب أن ندرب أنفسنا على البحث عن الجمال الداخلي لدى الآخرين من حولنا لأننا تعودنا على البحث عن البشاعة والنوايا السيئة لديهم... تعودنا الانغلاق أو الانشغال بأنفسنا... فأصبحنا جمادا غير قادرين على العطاء أو تقدير العطاء.
إن الجمال الداخلي يسكن عميقا داخل أصحاب الأرواح الجميلة... إن الروح الجميلة هي التي تحوي القلب الكبير... القلب النقي بالرغم من احتكاكها بالشر والأذى... لديها القابلية على التسامح والعطاء من غير حدود... لا تستخدم زلات من تحب حتى ولو كانت عليها كعذر للتوقف أو الامتناع... تتحمل الأذى ممن تحب ومن أجل من تحب... وتتفانى في إسعادهم... عندما نبحث ونجد هذا الجمال الداخلي لدى أصحاب الأرواح الجميلة ينتقل بعض من هذا الجمال إلينا... ومع الوقت سوف نشعر بالتغيرات في سلوكياتنا وحياتنا... هذا التأثير ينطبق تماما على ما قد يحدث لنا عندما نبحث عن البشاعة والخبث لدى الآخرين... لأننا سوف نعامل الغير بقسوة وتعال وشك دائم... ولكن ما يفعله الجمال الداخلي بنا هو أنه يجعلنا نتعامل مع الغير باحترام واهتمام ورقة... نعم نأخذ من أصحاب الروح الجميلة ذلك ولكن لنعلم بأنهم لا ينتظرون منا الاعتراف أو الامتنان لأن سعادتهم ليس باعترافنا أو تقديرنا... إنما هي إسعاد الغير من أجل مرضاة الله... إنهم شموع تحترق من أجل أن يحيا الآخرون... كم من أرملة أو مطلقة شابة احتوت أطفالها ورفضت الزواج من أجلهم... كم من زوجة تعاني من ظلم زوجها أو إهماله لها وتستمر بالعيش معه من أجل أبنائها الذين تعلم أن مصلحتهم هي أن ينشؤوا في كنف أبيهم وحمايته... كم من زوج صبر على زوجته وإهمالها له ولم يتزوج عليها، لعلمه مدى محبتها وحرصها على تربية أبنائه، وخوفا من أن يظلم أبناءه لو أنه لم يستطع أن يعطيهم حقهم من وقته ورعايته... كم من فتاة رفضت الزواج من أجل أن تصرف على إخوتها أو الاهتمام بوالديها... كم من شاب أو رجل تغرب عن قريته أو مدينته أو حتى عن بلده من أجل أن يصرف على أسرته...كم وكم وكم... هل هم تعساء؟ هل هم أشقياء؟ كلا نحن التعساء والأشقياء... هم وجدوا السعادة ونحن نبحث عنها... هم تخلوا عن الأنانية ونحن نتمسك بها... هم جبال شامخة... ليسوا ببشر بل ملائكة تمشي على الأرض... لنتلمس النور الذي ينبعث من داخلهم لعل وعسى ينير قلوبنا ويرينا كيف تكون السعادة الحقيقية... كيف تكون محبة الله.


* كاتبة سعودية