الأربعاء:07. 12. 2005

رسالة الخرطوم‏:‏ عبدالمعطي أحمد

ياسر عرمان رئيس الهيئة البرلمانية للحركة الشعبية لتحرير السودان‏


هو من شمال السودان‏,‏ وبالتحديد من منطقة الجزيرة‏,‏ ومع ذلك انضم للحركة الشعبية لتحرير السودان منذ عشرين عاما‏,‏ وعمل في هياكلها السياسية والعسكرية‏,‏ ويحمل الآن رتبة لواء احتياطي في جيش الحركة‏.‏ اختاره أعضاء الحركة في مجلس الولايات والمجلس الوطني رئيسا للهيئة البرلمانية للحركة الشعبية في المجلسين‏,‏ وعمل من قبل ناطقا رسميا للحركة لسنوات عديدة‏.‏ درس القانون في كلية الحقوق جامعة القاهرة‏,‏ وتخرج فيها عام‏86‏ وعمره الآن‏43‏ عاما‏,‏ متزوج وله بنتان‏.‏ التقيته في الخرطوم خلال زيارتي لها‏,‏ رحب بكل الأسئلة التي وجهتها إليه وكان هذا الحوار الشامل‏:‏

‏*‏ اتفاق الجنوب بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان الذي تم توقيعه في يناير الماضي‏..‏ إلي أين وصل تنفيذه؟ وما هي العقبات؟

‏*‏ التنفيذ وصل إلي خطوات كبيرة وواسعة‏,‏ فقد تم تحويل الاتفاق إلي دستور يحكم الفترة الانتقالية‏,‏ وعلي أساس هذا الدستور تكونت مختلف المؤسسات التي علي أساسها تسير الفترة الانتقالية‏,‏ وتم فعلا تكوين الجهاز التنفيذي ممثلا في حكومة الوحدة الوطنية ذات القاعدة العريضة التي سينضم إليها في هذه الأيام التجمع الوطني الديمقراطي‏.‏

كما تم إنشاء الجهاز التشريعي قبل الجهاز التنفيذي‏,‏ وتشكيل حكومة لجنوب السودان‏,‏ واختيار حكام جنوب النيل الأزرق وجبال النوبة‏.‏ كما تمت إقامة عدد من المفوضيات المرتبطة باتفاقية السلام مثل مفوضية البترول‏,‏ ومفوضية تقويم اتفاقية السلام‏,‏ ومفوضية الحدود‏.‏

أما القضايا التي مازالت تشكل عقبات فهي‏:(1)‏ إكمال تكوين القوات المشتركة‏,(2)‏ تنفيذ اتفاق ابياي‏,(3)‏ الاتفاق حول كيفية إدارة العاصمة القومية‏.‏

والأهم من كل ذلك هو إدارة شئون الدولة والمواطن علي نحو من الانسجام والثقة بين طرفي الاتفاقية‏.‏

‏*‏ إلي أي مدي وصلت الوساطة التي يقوم بها سيلفا كير ميارديت بين الحكومة الأوغندية وزعيم متمردي حركة جيش الرب الأوغندية المعارضة جوزيف كوني الذي يتخذ من جنوب البلاد قاعدة له ضد أوغندا؟

‏*‏ الحركة الشعبية‏,‏ ومن خلال خبرتها وتجربتها الطويلة توصلت إلي أن أنجع الحلول لقضايا مثل قضية جيش الرب لا تعتمد علي الإجراءات العسكرية والأمنية‏,‏ بل تحتاج إلي الوصول إلي حل سياسي بين الأطراف‏,‏ وجيش الرب ليس بإمكانه أن يواصل الحرب إلي ما لا نهاية‏,‏ لاسيما أن مسلكه وجد إدانة واسعة من الرأي العام الدولي‏,‏ والآن أمامه فرصة للجلوس بجدية مع الحكومة الأوغندية والوصول إلي حل يؤدي إلي الاستقرار في كل من أوغندا والسودان‏.‏

وجنوب السودان تضرر بشكل كبير من ممارسات جيش الرب الذي يتخذ من الجنوب مسرحا لعملياته بدلا من أوغندا‏,‏ وقد أصبح ضيفا ثقيل الظل لابد أن يرحل‏,‏ والأفضل أن يرحل عبر حل سياسي متفاوض عليه‏.‏

‏*‏ التوتر بين تشاد والسودان علي الحدود‏..‏ هل تمت إزالته؟ وهل تم حل مشكلة المنشقين من الجيش السوداني الذين هربوا من السودان؟ وما أثر تلك الخلافات علي الوساطة التشادية في مشكلة دارفور؟

‏*‏ بشكل عام دارفور تعد امتدادا طبيعيا لكل غرب إفريقيا‏,‏ وما يدور في دارفور أو ما يدور في تشاد سينعكس سلبا أو إيجابا علي كل من طرفي المعادلة‏,‏ وبغض النظر عن تفاصيل ما يدور فإن المطلوب هو أن يركز كل من السودان وتشاد علي ما يخدم السلام والاستقرار في البلدين‏,‏ وتشاد ستلعب دورا إيجابيا في إيجاد حل عادل لقضية دارفور‏.‏ كما سيلعب السودان دورا في مساعدة تشاد علي حل قضاياها بصورة مرضية‏,‏ وهذا ما يجب الاهتمام به والتركيز عليه‏,‏ فما يحدث لجارك سينعكس علي بيتك‏.‏

‏*‏ ما هي نتائج زيارة وفد إريتريا إلي الخرطوم أخيرا؟ وهل هذه النتائج تشجع علي مواصلة المفاوضات وإرسال وفد سوداني إلي إريتريا؟

‏*‏ نعم يجب أن يذهب الوفد السوداني إلي إريتريا في أسرع وقت‏,‏ ويكمل ما بدأ من تطبيع عند زيارة وفد إريتريا إلي الخرطوم‏,‏ والعلاقات السودانية ـ الإريترية مهمة‏,‏ واتفاقية السلام تتيح فتح صفحة جديدة في علاقات السودان مع العالم الخارجي لاسيما دول الجوار‏,‏ وتطبيع العلاقات سيؤثر إيجابا في ملفات شرق وغرب السودان‏,‏ ونعتقد أن الزيارة أرسلت إشارات جيدة وجادة ويجب أن تستكمل‏,‏ وقد قمنا في وفد من الحركة الشعبية بزيارة للعاصمة الإريترية أسمرة قبل عشرة أيام‏,‏ والتقينا الرئيس أسياسي أفورقي وخرجنا بانطباعات جيدة بإمكان التطبيع الكامل‏,‏ كما أن السودان في المستقبل يمكن أن يلعب دورا إيجابيا في العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا استكمالا لتطبيع علاقاته مع دول الجوار‏.‏

‏*‏ كيف سيتم حل مشكلة منطقة ابياي الواقعة علي الحدود بين الجنوب والشمال المقرر أن يجري فيها استفتاء علي تقرير المصير مع الجنوب بعد ست سنوات؟

‏*‏ نحن من خلال تجربتنا في الماضي كنا نقول‏:‏ إن الشيطان في تفاصيل الوصول إلي اتفاقية السلام‏,‏ واكتشفنا الآن أن الشيطان يكمن في تنفيذ اتفاقية السلام‏,‏ وابياي قضية في غاية الأهمية والحساسية‏,‏ ويمكن أن تؤدي إلي انزلاق كامل في وجهة معاكسة لاتفاقية السلام‏,‏ وابياي كانت عقبة كبيرة في أثناء المفاوضات وبتجاوزها تم الوصول إلي اتفاق‏,‏ والآن ابياي تحتاج إلي حكمة ومجهود كبير من مؤسسة الرئاسة‏,‏ وبهذا المجهود وحده يمكن تفادي أي مصاعب بين شريكي اتفاقية السلام‏.‏

‏*‏ هل تم الاستعداد للمفاوضات الرسمية المزمع إجراؤها في‏5‏ ديسمبر المقبل بين حكومة الخرطوم ومتمردي شرق السودان التي تتضمن قضايا اقتسام السلطة والثروة ورفع الظلم وإزالة التهميش عن الإقليم؟

‏*‏ حتي الآن ما يتم خطوات تمهيدية وبداية تحريك مفاوضات شرق السودان‏,‏ وهذه المفاوضات لا يجب التقليل من أهميتها أو الاستهانة بقضية الشرق‏,‏ فمثلها مثل القضايا الأخري يجب أن تجد حظها من الاهتمام والمجهودات الكافية للوصول بها إلي بر الأمان وإلي حل عادل يكمل حلقات السلام الشامل‏,‏ وقضية شرق السودان جزء لا يتجزأ من قضايا التهميش السياسي والاقتصادي والثقافي الذي طال مجموعات كبيرة من الشعب السوداني منذ استقلال السودان عام‏1956.‏

‏*‏ ماذا تم في مشكلة الخلاف مع المحكمة الجنائية الدولية بخصوص تسليم المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور؟

‏*‏ هذه القضية مازالت قيد البحث بين المؤسسات الدولية والحكومة السودانية‏,‏ ولا يوجد لدي اطلاع كاف حول ما يدور بصددها‏.‏

‏*‏ ما هو المطلوب من مصر والدول العربية لتنفيذ اتفاق الجنوب وجعل الجنوبيين يختارون عدم الانفصال؟

‏*‏ هذا سؤال مهم للغاية‏,‏ مصر منذ أقدم العصور ظل البعد النيلي لها يلعب دورا محوريا‏,‏ لذلك فإن مصر ستتزعم عملا كبيرا لإنجاح اتفاقية السلام‏,‏ وأول زيارة للخارج قام بها رئيس الحركة الشعبية الجديد النائب الأول لرئيس الجمهورية سلفا كير كانت لمصر‏,‏ وكنت معه والتقينا الرئيس حسني مبارك والقيادة المصرية‏,‏ تم التأكيد والتركيز علي القيام بعمل كبير تقوده مصر لجلب الخبرات الفنية والموارد المالية لدعم تنمية وتطوير جنوب السودان وربطه ببقية أنحاء السودان وبمصر‏,‏ وإيجاد جسور ومصالح‏,‏ والقضاء علي التخلف الاقتصادي وإحداث تنمية ونقلة تسهم في ترسيخ الخيار الطوعي لوحدة السودان‏,‏ ومنذ أيام افتتحت مصر قنصلية في جوبا بجنوب السودان لمتابعة هذا البرنامج‏.‏

كما أن الرئيس مبارك وعد بعقد مؤتمر للاستثمار العربي غالبا سيكون بمصر في شهر ديسمبر المقبل لجذب الأموال العربية لتنمية جنوب السودان‏,‏ ونتوقع قيام آلية فاعلة تقودها مصر للإشراف علي هذه الخطة الطموح وتنفيذها‏.‏ كما أن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي لديه اهتمام خاص وكبير بقضية تنمية جنوب السودان‏,‏ والحركة الشعبية وزعيمها الراحل الدكتور جون جارانج ورئيسها الحالي سلفا كير كانت ومازالت تتطلع إلي دور مصري فاعل ومحوري في تنمية جنوب السودان لأنها المدخل الرئيسي لتوحيد السودان علي أسس طوعية وديمقراطية قائمة علي احترام المصالح المشتركة لجميع السودانيين‏.‏

‏*‏ ألم يحن الوقت بعد لاستئناف العمل بقناة جونجلي المتوقف منذ عام‏1985‏ ؟ علما بأن نسبة الحفر فيها بلغت‏75%‏ ؟

‏*‏ نعم حان الوقت‏,‏ وكان قد تم تناول هذا الأمر من قبل مع الدكتور جون جارانج وتم الاتفاق علي إرسال فريق فني من مصر لتقويم وضع القناة بعد توقف دام أكثر من عقدين‏,‏ وكيفية استئناف المشروع من جديد‏,‏ فالمسألة فنية وليست سياسية‏.‏