الجمعة:09. 12. 2005


محمد الصياد

في مصر وقبل أسبوع من إجراء الانتخابات البرلمانية، حيث بلغت سخونة الحملات الانتخابية ذروتها، باصطخاب حدة الصراع بين مختلف الأطراف المشاركة في الانتخابات اندلع جدل حاد بين الحكومة التي تبنت موقف حزبها الحاكم الحزب الوطني الذي خاض الانتخابات بأكبر عدد من المرشحين من بين كل المتنافسين، وبين حزب الاخوان المسلمين المحظور الذي شارك في الانتخابات بمرشحين مستقلين، حول أحقية ودستورية التوظيف السياسي للدين في الانتخابات من عدمهما.

واندلع هذا التنازع على الحق من عدمه على خلفية قيام جماعة الإخوان باستخدام شعارات دينية من قبيل ldquo;الاسلام هو الحلrdquo; لتسويق وترويج مرشحيها، فكان ان اعترضت الحكومة وحزبها الحاكم على هذا المسلك باعتباره استغلالاً غير شرعي وانتهازي للدين، على اعتبار ان الدين لا يمكن ان يكون حكراً على جماعة اسلامية بعينها من دون غيرها.

وقد جادل الاخوان بأن استخدامهم لشعار ldquo;الاسلام هو الحلrdquo; في حملتهم الانتخابية ينسجم مع الدستور المصري الذي ينص على ان الاسلام هو دين الدولة.. الى آخره من الجدل الاسلامي الاصولي المعروف بهذا الخصوص.

ومع ان هذا تفسير للنص الدستوري مطعون فيه، من حيث انه لا علاقة مطلقاً بين ما يرمي اليه نص المادة المنصوص عليها في كل الدساتير العربية تقريباً وبين التفسير (الاخواني في هذه الحالة) الباغي توظيف النص المذكور بصورة مغرضة لخدمة أهداف سياسية حزبية مبيتة وذلك باستمالة العاطفة الدينية للناخب والاستيلاء على صوته الانتخابي نقول مع ذلك، فإن اخوان مصر لم يفعلوا شيئاً في نهاية المطاف منعت

السلطة الحاكمة نفسها من إتيانه. فما دام ldquo;ربُّ البيت بالدف ضاربُrdquo;، فلا مسوغ

منطقياً لاعتراضاته على فعل مماثل يأتيه الآخرون.

فالحال ان معظم الحكومات العربية، ومنها الحكومة المصرية، على اختلاف انتماءاتها وأطياف الحكم التي تعاقبت على العالم العربي، ظلت، ولا تزال، تستعين بالدين لتأمين استمرارية مواقعها في الحكم، وتستقوي به ضد الخصوم السياسيين الذين لا تسعفها ادوات الحكم التقليدية والشرعية المتيسرة والموضوعة رهن اشارتها، على مقاوتهم ومقارعة حججهم وآرائهم بشأن فساد الإدارة الحكومية على الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وفي هذا فإنها لا تتورع عن الاستعانة بالمؤسسات الدينية ورجال الدين لتقديم الفتاوى المفصلة على مقاس مصالحها، فضلا عن توفير الدعم والمباركة لسياساتها وبرامجها السياسية والاجتماعية، حتى أصبح توظيف الدين لخدمة أغراض خاصة وتحقيق مآرب شخصية، عملاً مشاعاً يقوم به الكثيرون من دون حرج أو غضاضة.

وهذا، كما رأينا في الحالة المصرية، وفي حالات أخرى مماثلة في غير ساحة عربية في واقع الأمر، سلاح ذو حدين، كثيرا من انقلب فيه السحر على الساحر بصورة درامية مفزعة.

من هنا تأتي أهمية ان تكف الحكومات العربية عن استغلال الدين تحت وهم امكانية تأميمها واحتكارها له وتوظيفه ورقة رابحة في عملية تأمين استدامة سلطانها. فمن غير المعقول ان تتوقع هذه الحكومات من الآخرين ان يتطوعوا من تلقاء أنفسهم بعدم الاستعانة بالدين، وحتى استغلال بعض نصوصه بصورة انتقائية مجتزأة ومقتطعة من سياقاتها بهدف الاستقواء به على خصومهم او منافسيهم السياسيين، في الوقت الذي يرون فيه حكوماتهم وهي تستغل الديانة السمحاء بصورة مفرطة ومن دون أدنى اعتبار للآخرين وللعواقب الاجتماعية الخطيرة التي لا حصر لها الناجمة عادة عن مثل هذا الاستخفاف بتبعات مثل هذا الفعل.

إن هذا الاستخفاف بالذات هو ما دفع الكثيرين للاتجار بالدين، فمنهم من أثرى ثراء فاحشاً من إقحام الدين في الاقتصاد وفي تجميع اموال الناس البسطاء تحت يافطات الأعمال الخيرية، ومنهم من حول الرموز والشارات والمواد الدينية الى سلع يجني منها الاموال، ومنهم من تحول الى وظيفة الوعظ والارشاد، حيث تكاثرت أعداد الدعاة الذين تتقاول معهم الفضائيات لجذب جمهور العامة وتوسيع قاعدة مشاهديها لأغراض إعلانية وتجارية لا تخفى على كل لبيب.

حتى رأس المال لم يتخلف عن مجاراة الجميع في استغلال الدين وتوظيفه لخدمة نزعته الربحية الجشعة. فعمدت، على سبيل المثال، احدى القنوات الفضائية المشفرة الى الاستعانة بأحد الدعاة ldquo;الموديرنrdquo; لنصح المشاهدين بتوجيه رسالة الى مشاهدي القناة مفادها ان مشاهدة برامج القناة من دون دفع الاشتراك فيها يعد حراماً من الناحية الشرعية.

خلاصة القول، لقد اندفع الجميع من دون تفكير في عواقب حكومات ومعارضات ومراكز قوى اجتماعية واقتصادية في لعبة محفوفة بالمخاطر أبرزها على الاطلاق توريط الدين الحنيف بإقحامه في كل شاردة وواردة من أجل مصالح أنانية، بما يعد إساءة بالغة وغير مسبوقة للمكانة المقدسة للدين، الأمر الذي يستدعي وقفة جدية ومسؤولة من الجميع لوقف هذا الاسهال في استسهال اللعب بورقة الدين سياسياً.

* كاتب بحريني

[email protected]