عبدالله اليامي - جدة

انتشرت في الاونة الاخيرة الرسائل المضللة على البريد الالكتروني ، والهادفة الى غسيل الاموال عن طريق خداع المواطنين السعوديين وبعض المقيمين ، بايهامهم بحكايات سينمائية محبوكة احيانا ومكشوفة احيانا اخرى ، يطلب فيها المرسلون من المرسل اليهم ارقام حسابات بنكية خاصة بهم لارسال مبالغ كبيرة فيها بحجة تعرضهم في بلدانهم لعمليات مصادرة للاموال وانهم ورثوا هذه الملايين من مسؤولين كبار ووزراء ورجال اعمال رحلوا عن الدنيا ، وان المملكة تعتبر افضل الدول في العالم استقرارا ، مما يضمن لهذه الاموال الامان ، حيث يعرض هؤلاء مبالغ كبيرة على من يرسل اليهم رقم حسابه لارسال الاموال اليه كنسبة تحدد حسب الاختيار ، الامر الذي قد يوقع كثيرين في شراكه ، اذا لم يكن لديهم علم مسبق بمثل هذه الالاعيب التي راح ضحيتها كثيرون ممن اغرتهم المادة واستهواهم الطمع ، وفضلوا السرية في هذا الامر فكانت النهاية تورطهم في عمليات مشبوهة لغسيل اموال.

وقال المحامي المعروف خالد ابوراشد ، ان مثل هذه الجرائم باتت تهدد دولا بأكملها عجزت بعضها عن السيطرة فيما لا تزال بعضها تحارب مثل هذه الجرائم بكل السبل ، اما بالنسبة للرسائل الالكترونية التي تصل الى البعض ، فهي رسائل مضللة يجب الحذر منها ، حيث وصلت الكثير من الرسائل التي يدعي اصحابها انهم ابناء قادة سابقين وزعماء متوفين وخاصة من دول افريقيا السوداء ، وهذه الادعاءات غير صحيحة فهؤلاء مجرمون ومتخصصون في غسيل الاموال ، ويتبعون هذه الوسائل للتضليل وايقاع البسطاء فيها من اجل غسيل اموال قذرة لديهم.

واضاف: مثل هذه الرسائل تنتهي الى احد امرين الاول اما عملية نصب ، وهي ان يقول لك في الرسالة انه يجب عليك ارسال مبلغ عشرة الاف دولار مثلا او عشرين الف كمصاريف لارسال المبلغ الكبير اليك وهو مثلا خمسين مليون دولار ، مما يجعلك تستسهل المبلغ وترسله دون ان يكون هناك اي ارسالية .. اما الوضع الثاني فهو ان يكون المرسل بالفعل لديه اموال قذرة ويريد غسيلها عن طريق تشغيلها في حسابك لتصبح اموالا نظامية وقد يرسلها لك بالتقسيط ، او اذا لديك معرفة برجل اعمال كبير يكون دخله عاليا لدى البنوك على ان تودعها في حساباته ويكون الموضوع طبيعيا ، وفي هذه الحالة يتفق معك على ضمانات معينة لتحديد نسبتك من العملية وكيفية استرداد امواله فيما بعد ، على انهم ينتمون الى عصابات اجرامية خطيرة قد ترتكب جريمة القتل في حال لم يلتزم معهم الطرف الاخر.

ونصح ابوراشد كافة من تصلهم هذه الرسائل بعدم التعامل معهم او الرد عليهم برسالة الكترونية ، كون البعض وقعوا للاسف في هذا الشرك وتعرضوا لمساءلات قانونية كثيرة ، فمثل هؤلاء يستغلون للاسف طيبتنا وسذاجة بعضنا ، اضافة الى معرفتهم بالاستقرار الاقتصادي الكبير الذي تعيشه بلادنا ولله الحمد الامر الذي يجعلهم يرسلون رسائلهم الى السعوديين اكثر من اي شعب اخر.

وحول تلك الجريمة وابعادها القانونية تحدث المحامي والمستشار القانوني يونس عرب فقال: تعتبر جرائم غسيل الاموال اخطر جرائم عصر الاقتصاد الرقمي ، بل تسمى في الغرب جريمة ذوي الياقات البيضاء ، كونها ترتكب من محترفي الاجرام الذين لا تتواءم سماتهم مع السمات الجرمية التي حددتها نظريات علم الاجرام والعقاب التقليدية ، وغسيل الاموال ايضا ، جريمة لاحقة لانشطة جرمية حققت عوائد مالية غير مشروعة ، فكان لزاما اسباغ المشروعية على العائدات الجرمية او ما يعرف بالاموال القذرة ، ليتاح استخدامها بيسر وسهولة ، ولهذا تعد جريمة غسيل الاموال مخرجا لمازق المجرمين المتمثل بصعوبة التعامل مع متحصلات جرائمهم خاصة تلك التي تدر اموالا باهظة ، كتجارة المخدرات وتهريب الاسلحة والرقيق وانشطة الفساد المالي ومتحصلات الاختلاس وغيرها. وتجدر الاشارة هنا الى ان الذهن العام بخصوص جرائم غسيل الاموال ارتبط بجرائم المخدرات ، بل ان جهود المكافحة الدولية لغسيل الاموال جاءت ضمن جهود مكافحة المخدرات.

ولهذا نجد ان موضع النص دوليا على قواعد واحكام غسيل الاموال جاء ضمن اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة المخدرات ، ومبرر ذلك ان انشطة المخدرات هي التي اوجدت الوعاء الاكبر للاموال القذرة بفعل متحصلات عوائدها العالية ، غير ان هذه الحقيقة آخذة في التغيير ، اذ تشير الدراسات التحليلية الى ان انشطة الفساد المالي والوظيفي خاصة في الدول النامية من قبل المتنفذين والمتحكمين بمصائر الشعوب ادت الى خلق ثروات باهظة غير مشروعة تحتاج لتكون محلا لغسيل الاموال كي يتمكن اصحابها من التنعم بها ، وكذلك ، اظهر التطور الحديث لجرائم التقنية العالية ( جرائم الكمبيوتر والانترنت ) ان عائدات هذه الجرائم من الضخامة بمكان تتطلب انشطة غسيل الاموال خاصة ان مقترفيها في الغالب ليس لديهم منافذ الانفاق الموجودة لدى عصابات المخدرات ، وذات القول يرد بخصوص انشطة الارهاب وتجارة الاسلحة وتجارة الرقيق والقمار خاصة مع شيوع استخدام الانترنت التي سهلت ادارة شبكات عالمية للانشطة الاباحية وانشطة القمار غير الشرعية.

وحول الارقام المستغلة في هذه الجرائم قال: لا احد يعرف الحجم الحقيقي للمبالغ التي يجري غسلها عبر انشطة غسيل الاموال الجرمية ، ولكن ثمة اتفاق عالمي انها مبالغ ضخمة بالمليارات ، والتقدير الحالي انها تبلغ نحو 100 بليون في امريكا وحوالي 300 بليون في العالم ، وجرائم غسيل الاموال ليست حكرا على الدول الصناعية او مجتمعات الثروة ، بل انها تتسع وتنمو في بقية الدول التي يسهل النفاذ عبر ثغرات نظامها القانوني .. وبالرغم من ان اشكال وانماط ووسائل غسيل الاموال متغيرة وعديدة ، وثمة اتجاه عريض لتحويل الاموال القذرة الى اصول مالية (مواد ثمينة) ، وموجودات عقارية او نحو ذلك ، فان البيئة المصرفية تظل الموضع الاكثر استهدافا لانجاز انشطة غسيل الاموال من خلالها ، واذا كانت البنوك مخزن المال ، فانه من الطبيعي ان توجه انشطة غاسلي الاموال القذرة الى البنوك على امل اجراء سلسلة من عمليات مصرفية تكتسي بنتيجتها الاموال القذرة صفة المشروعية ..

ولهذا تعد البنوك المستهدف الرئيسي في عمليات غسيل الاموال ، ويرجع ذلك الى دور البنوك المتعاظم في تقديم مختلف الخدمات المصرفية وتحديدا عمليات الصرف والتحويل النقدي بواسطة الشيكات والشيكات السياحية (الاجنبية) والحوالات المالية خاصة بالوسائل الالكترونية وبطاقات الائتمان والوفاء وعمليات المقاصة وادارة المحافظ الاستثمارية وتداول العملات والاسهم وغيرها ، وهذه الخدمات يتسع مداها ونطاقها في عصر المعلومات وتتحول الى انماط اكثر سهولة من حيث الاداء واقل رقابة من حيث آلية التنفيذ خاصة في ميدان البنوك الالكترونية او بنوك الويب على شبكة الانترنت ، ومثل هذه العمليات بشكليها التقليدي والالكتروني خير وسيلة لتستغل بغرض من اجل اخفاء المصدر غير المشروع للمال.

وتابع عرب يقول: البنوك ذاتها ، تعد رأس الحربة في مكافحة انشطة غسيل الاموال ، لحماية نفسها أولا من المخاطر المالية والمسؤوليات القانونية المترتبة على خوضها او مشاركتها في هكذا انشطة ، وللمشاركة الفاعلة في الجهد الدولي لمكافحة جرائم غسيل الاموال .. وتحتاج البنوك لمعرفة معمقة وشاملة بشأن الاليات التي تتبع لغسيل الاموال ، مع الادراك انها اليات متغيرة ومعقدة غالبا ما تنشأ من فكرة احتيالية او جرمية تولدت عن معرفة معمقة لصاحبها بالعمل المصرفي ان لم يكن قد لجأ لخبرة مصرفية مميزة للحصول على الفكرة .