الإتحاد: الإثنين: 20 ـ 06 ـ 2005

لخطوة الكويتية الكبيرة بتعيين الدكتورة معصومة المبارك وزيرة أصبحت بنظر عبقرية الذكورية العربية إهانة طائفية. فعوض أن يفخر شيعة الكويت وسنتها بدخول امرأة إلى الحكومة يقيم أصوليوهم الدنيا ولا يقعدونها داخل وخارج البرلمان احتجاجاً على "الخطيئة" الكبرى, وتخليق مقولة إن مثل هذا التعيين يُقصد به القول إنه ليس هناك رجال من الشيعة, وهي مقولة ربما لم تكن لتأتي على أكبر عقل عبقري في تخليق المسوغات. أسوأ من هؤلاء هم من ثارت ثائرتهم في مجلس النواب الكويتي نفسه, أو خارجه, احتجاجاً على إهانة الكويت بتكريم إحدى نسائها المؤهلات, لأن ذلك ضد التقاليد والدين وخصوصية المجتمع.

أما المطالبة المتواضعة بالسماح للمرأة السعودية بسياقة السيارة, فهي الأخرى كادت تقارب الكفر. فقد تنافس أصوليون سعوديون في شتيمة كل من تسول له نفسه الاقتراب من هذا الموضوع "المصيري", في دفاع مستميت ضد من يريدون نشر الانحراف والرذيلة في المجتمع عبر السيارات التي تقودها النساء! والأمر الطريف والمحزن في آن معاً أن كل النقد الشرس الذي وجه ويوجه إلى كل من يدعو للسماح للمرأة السعودية بـ"اقتراف" سياقة السيارة حتى تصبح سيدة سيارتها وبيتها بعيداً عن الخدم والسائقين, يدعي أن هذه قضايا فرعية, في حين أن هناك ما هو أهم من ذلك بكثير. إن كان الأمر كذلك, وكانت هذه القضية بمثل هذه التفاهة فلماذا لا تنتهي إذن ويُسمح لمن تريد أن تسوق السيارة بأن تسوقها, ومن لا تريد أن تسوقها أن تفعل ما تريد. ولماذا إذن هذه الثورة الدائمة في طول وعرض وسائل الإعلام هجوماً على كل من يقترب من هذه المسألة, وكأنها مسألة حياة أو موت!

في الكويت يستل نواب أشاوس سيوف القانون وكل تفسيرات الدستور حتى يمنعوا اختراق الحكومة من قبل "امرأة" ويبطلوا القرار دستورياً. في أكثر من حالة في المنطقة العربية يتمترس التخلف في البرلمانات وتبدو الأنظمة على ما فيها من عورات أكثر تقدمية وانفتاحاً وحرصاً على النهوض بالمجتمع, من برلمانيين غارقين في ماض يريدون فرضه على الحاضر والمستقبل. يغوص كثير من البرلمانيين في الشكليات والصور والمزايدة الشعاراتية الدينية والقبلية وغيرها, فيما المجتمع يغوص في معضلاته ومشاكله التي تبدأ ولا تنتهي. من المشرق إلى المغرب, المرأة هي العدو الذي يوحدنا! هي الطابور الخامس الذي يتسلل إلى مجتمعاتنا وحكوماتنا, وتراها تحالفات النظم المتخلفة من ثقافية وقبلية وسياسية واجتماعية الخطر الأكبر الذي يتهددها. هي كما وصفت فاطمة المرنيسي رؤية المجتمع لها: متحالفة مع الاستعمار لاختراق حدودنا! الاستعمار يخترقها من الخارج وهي من الداخل! هي الطابور الخامس الذي يريد أن يفجرنا في عقر البيت وعلينا التيقظ إزاءه, وعلى المجتمع بكل ذكوره إعلان أقصى درجات الجاهزية والتحفز دوماً خشية ما يمكن أن تقوم المرأة به من تخريب في عمق مجتمعاتنا الذكورية البريئة الطاهرة النظيفة! لا ينغص على ذكوريتنا البديعة سوى وجود هذه المرأة بين ظهرانينا! كيف يمكن أن نقمعها, ندمرها, نخفيها عن الوجود, فهي مصدر عارنا وخجلنا. لكن في نفس الوقت نريدها حوالينا, شرط أن نبقيها تحت السيطرة لأننا نحتاج إليها في ملذاتنا... فلها دور مهم هنا!

نتسامج بالقول صباح مساء إن المرأة هي الأم والأخت والزوجة والابنة.. إلخ. لكن كل ما نريد أن نخفيه بعلو النبرة اللفظية هو تكريس قسوة القمع اليومي التي تريد أن تشطب نصف المجتمع لا لشيء إلا لأن نصفه الذكوري فرويدي القالب والقلب. ولفرويد وتحليلاته قصة مفارقة وغريبة أيضاً عند الكثيرين منا. فهو بدوره يُشتم صباح مساء, دينيا وثقافويا, بل وأحياناً سيكولوجيا واجتماعياً, بكونه تسطيحيا وساذجا إذ رد سلوكيات الإنسان برمتها إلى دوافع جنسية. نراه مأفوناً ومهجوساً بالجنس إذ يقولب الحياة وصيروراتها ومجتمعاتها على أساس العامل الجنسي. لكن عملياً, نحن الرواد في مناصرة فرويد في كل الأوقات, حملة ألويته, ودعاة نظرياته بلا تحفظ. فالمرأة التي نخاف منها وعليها ونحاصرها من كل جانب لا نرى فيها عملياً إلا "مشروع فضيحة جنسية برسم الحدوث". توترنا تجاهها وابتسارها بجسد حتى لو وصلت إلى المريخ, وقادت طائرة, ودخلت حكومة, أو كانت أماً, أو مديرة, أو احتلت أي موقع آخر, هو أقصى درجات الفرويدية. فهي لا ترى إلا جنساً متحركاً يجب التعامل معه على هذا الأساس. وأية علاقة بين الرجل والمرأة, سواء إن كانت زميلة عمل, أو صديقة اهتمام مشترك, أو شريكة في مؤتمر, أو حتى قارئة لكتاب مشترك, هي انفجار جنسي حتمي قادم. هي الجنس أولاً وآخراً, وليحيا فرويد!

ربما لا يتفق كثيرون مع أفكار الراحل هشام شرابي حول البنية البطريركية الأبوية للمجتمعات الأبوية وتسييد الذكورة فيها. لكنه كان محقاً في نقده الشديد, وفي تشخيصه الدقيق بأن حال المجتمع العربي لن يستقيم ما دامت المرأة مقموعة فيه وينظر إليها تلك النظرة التقليدية المتخلفة. والغريب في الأمر أن هذه النظرة تتعاقب على تبنيها والتغني بها والدفاع عنها تيارات القبيلة والدين والحكم, كلاً لأغراض خاصة به, وكلا يلتحف برداء الخصوصية الثقافية وأن مجتمعاتنا لها طبيعة خاصة ولا يناسبها ما يناسب المجتمعات الأخرى على وجه الأرض. والغريب أيضا أن هذه المقولة هي ذاتها مقولة أسوأ أنواع المستشرقين الذي نظروا للمجتمعات العربية بكونها ذات طبيعة جوهرية خاصة جامدة وغير متطورة ولا تخضع لقانون الزمن والتاريخ. أية خصوصية تبرر ألا تصبح المرأة وزيرة في مجتمعاتنا؟ وأية خصوصية تحرمها من أن تسوق سيارتها, وأن تنقل أبناءها بنفسها إلى مدارسهم وتعيدهم منها؟ أو أن تتحرك بحرية كتلك التي يتحرك بها الرجل؟ لماذا يتمتع الرجل بأقصى درجات الحرية ويحطم بها كل ما له علاقة بـ"خصوصيات مجتمعاتنا" ثم ينتفض مذعوراً مدعياً بطولة دفاعاً عن تلك الخصوصيات في وجه المرأة؟ ماذا يُقصد بالضبط بالقول إن مجتمعاتنا العتيدة محافظة ولا تقبل أن تُهان فيها المرأة؟ أهي محافظة محصورة على المرأة فقط؟ ويبقى السؤال: هل منح المرأة حقوقاً مساوية للرجل تمكنها من الدفاع عن نفسها أمام طغيانه يعتبر إهانة, أم أن القمع اليومي وراء الأبواب وحجرها في البيت بعيداً عن تفاعلات الحياة بما يخفض من مستوى وعيها للأشياء, ويحصرها في اهتمامات سخيفة هو الإهانة بعينها؟ أم أن كل ذلك يعتبر مهادنة مع العدو الداخلي والطابور النسوي الخامس الذي سوف يفتك بمجتمعاتنا الملائكية!.

عنوان المقال كاملاً: يا عرب العالم: اتحدوا ضد... المرأة!