ثمة انظمة عربية تراهن على الهزيمة الاميركية في العراق وترى فيها باب الفرج من ازمات تلمّ بها، وتبحث عن دلالات الهزيمة في كل تصريح يصدر عن مسؤول اميركي. وثمة فتاوى تصدر عن رجال دين مسلمين تحرّم كل التفجيرات التي تستهدف المدنيين من لندن الى شرم الشيخ، وlt;lt;تسهوgt;gt; عن الاشارة الى العراق وما يشهده من مذابح يتساوى في ذهن مرتكبيها الاطفال والدبلوماسيون الاجانب وجنود الاحتلال.
وثمة اصرار لدى الحكومة العراقية على ربط الانظمة ورجال الدين ومرتكبي المجازر. والحال ان فرضيات الاطراف المذكورة كلها تحتاج الى براهين. فبرغم كل التفجيرات والهجمت والتجاذبات الطائفية، لا يبدو ان العملية السياسية العراقية الداخلية وديناميتها على وشك الانهيار ما يمنح وقتا اضافيا للجيش الاميركي لترتيب خروج يحفظ فيه ماء وجهه حتى لو ترافق مع تدمير العراق وإشعال الحرب الأهلية، وهذه ليست بالضرورة علامة على هزيمة الولايات المتحدة بقدر ما هي علامة على هزيمة عربية جديدة. وهل هناك دلالة اكبر على هذه الهزيمة من انتقال الدور العربي من مؤسسة الجامعة العربية الى مؤسسة lt;lt;قاعدة الجهاد في بلاد الرافدينgt;gt;؟
وليس هناك ما يؤكد ان انتحاريي ابي مصعب الزرقاوي او من يقوم مقامه، قادرون على ادارة أي نوع من انواع الحكم يتعارض تعريفا مع lt;lt;مشروعهمgt;gt; السياسي الوحيد القائم على القتل. فالحكم، أي حكم، هو شكل من اشكال المحافظة على الحياة وديمومتها، وهو ما لا يتقنه الزرقاويون ولا يبدون أدنى اهتمام به. ولا يفيد lt;lt;سهوgt;gt; مصدري الفتاوى ولا تأييدٌ علني او مضمر من بعض الاوساط الدينية، في تأسيس قاعدة سياسية يمكن لها ان ترفد حركة سياسية حتى لو كانت طائفية الطابع. ومعلوم ان حكم العراق يكون ائتلافيا تشاركيا او حربا اهلية دائمة، سواء من النوع الذي شنه صدام حسين على مواطنيه، أم من النوع الذي lt;lt;يبشرgt;gt; الزرقاوي بتعميمه.
أنظمة الجوار العربي، المتهمة حتى يثبت العكس بالتورط حتى الاذنين في المستنقع العراقي، تستعيد، كحد ادنى، سياسة الأفغنة القاضية بتصدير ارهابييها المحليين الى الخارج، ومؤملة بقدرتها على مواجهتهم وقمعهم عند عودتهم الى ديارهم. وتمارس، كحد اقصى، حربا بالوكالة ضد الولايات المتحدة، وكلها رجاء في إلحاق الهزيمة بها على ارض العراق حتى لا تنتقل المواجهة الى داخلها وهي المحاصرة بسلسلة طويلة من الاستحقاقات المرة ليس اقلها الاصلاح الداخلي ونبذ المروق كسياسة ونهج رسميين.
ليست الحرب في العراق إلا العنوان العريض لصراع يمتد من نقطة المصنع عند الحدود اللبنانية السورية ويصل الى صنعاء والقاهرة والانتخابات الرئاسية المقبلة فيهما. وليس محتوى الصراع فرض هيمنة قوى عظمى على دول صغيرة lt;lt;ممانعةgt;gt;. فهذه الهيمنة فرضت منذ خرجت السيادة بمعانيها الاقتصادية (النفطية) والسياسية والامنية من ايدي الانظمة العربية، lt;lt;بتقدمييهاgt;gt; وlt;lt;رجعييهاgt;gt;، الى ايدي اصحاب القرار الفعليين في عواصم الغرب. ولا معنى بالتالي لتنطح للدفاع عن شرف مفقود. ولا معنى لرهان تعجز الانظمة العربية عن توفير موجبات استثمار أي انتصار فيه، ناهيك بإنجازه.
بل المحتوى الأعمق للصراع هو حق الشعوب العربية في اكتساب القدرة على نقد هزيمتها والخروج منها، بعد معرفة أبعادها الكارثية الشاملة، وادراك ان الانظمة العربية، بملوكها الجمهوريين والوراثيين، انما تقف في صف lt;lt;الهجمةgt;gt; التي تتعرض لها الشعوب وليس في صف المدافعين عنها. بهذا المعنى، يكون على المواطن العربي ان يبتعد قليلا عن دعاوى خطباء الفضائيات التافهين والمشبوهين ليعيد تحديد وتعريف مصالحه وما اذا كان ذبح اطفال العراق على هذا النحو المروع، يحققها فعلا، او يحقق مصالح مضطهِديه.