الثلاثاء: 09 . 08 . 2005

ساد مناخ من الارتياح في أنحاء لندن وأرجاء بريطانيا كافة في 29 تموز (يوليو) الماضي مع خبر توقيف كلّ مشتبه به متورّط بالتفجيرات الانتحاريّة التي شنّتها مجموعة يوم 21 تموز والتي باءت بالفشل. وبدا شبه مؤكّد أنّ أعضاءً من هذه المجموعة سيحاولون مجدّداً شنّ هجمات خلال أيام قليلة على مصالح النقل المشترك في لندن أو على أهداف عامة أخرى. ولا يمكن أن نكون واثقين بأنّها نهاية الإرهاب العنيف في بريطانيا هذا العام. كما تجري مطاردة مكثّفة للعثور على العقول المدبّرة وصانعي القنابل الذين يقفون وراء هذه الوحشيّة. أجد على كل مستويات المجتمع شعوراً بالإرباك استطاع على أساسه هؤلاء الأفراد التصرّف بهذه الطريقة ضد بريطانيا، فهم في بعض الحالات مُنحوا اللجوء بعدما فرّوا من وجه حكوماتهم، وفي حالات أخرى لقوا دعماً مالياً من دافعي الضرائب البريطانيين. ولا تزال بريطانيا تُعتبر بلداً يتمتّع بديموقراطيّة صحيحة وحريّة كبيرة وينعم بالأمن والازدهار على رغم مشاكله ونواقصه المتعددة. ولهذا يرغب عدد كبير من الناس من زوايا الكون الأربعة المجيء والعيش فيه.

لوقت طويل ألقيت الذنب في مقالاتي وفي محاضراتي العلنيّة على الأصدقاء المسلمين إذ كنت أذكر بعض الإرهابيين وبينهم الإسلاميون المتطرّفون. وبالتأكيد اتضح لي أنّ القيام بهجمات انتحاريّة وتفجير الأبرياء وخصوصاً إخوتهم المسلمين هو عمل لا يقبله أتباع الإسلام الحقيقيين. ففي ما مضى لم يُعتبر الجيش الجمهوري الايرلندي (IRA) من المسيحيين المتطرّفين. (عندما بدأوا كانوا ماركسيين).

ولكن بعد أحداث 7 تموز في لندن، كان لا بدّ من مواجهة الوقائع. فالانتحاريون لم يكونوا مختلّين عقليّاً أو مهووسين كما أنّهم لم يكونوا كفّاراً أو فوضويين أو من أتباع ماو تسي تونغ أو شيوعيين أو بهائيين أو بوذيين. بل كانوا من المتدينين إذ أنّ اثنين منهم درسا في «مدارس» باكستان الدينيّة وكانا يرتادان الجوامع بشكل دوريّ. وقبل السابع من تموز، بدا أنّهما مهذّبان ويتصرّفان بمسؤولية أمام جيرانهم وأصدقائهم، وكانا مثال المسلمين البريطانيين الصالحين وكانا يفخران بذلك. ومن الناحية الفكرية لا يمكن القول إن معتقداتهما الدينيّة، سواء كانت منحرفة أو مضلّلة أو فاسدة، ليس لها أي علاقة بما سمعاه في الجوامع، مع أنني نادراً ما أعتمد على اسلوب «التحقيق الإسباني» وهو وصمة عارٍ على البشريّة، لكن المسيحيين كانوا مسؤولين عنه، فكانت تحدث أمور لا يفترض أن تحدث باسم الدين فحسب.

وبدأت افتتاحيّة نُشرت في صحيفة «التايمز» بتاريخ 18 تموز الماضي على الشكل الآتي:

«أجمع كلّ من رئيس الوزراء البريطاني وإمام المسلمين في بريطانيا... على أنّ سرطان التطرّف الإسلامي قد فتك بسياسة الجسم المسلم بطريقة أكثر خبثاً مّما اعتُقد سابقاً. وصرّح توني بلير بأنّ الذين ارتكبوا هذه الأعمال الوحشيّة في لندن إنّما اقتادتهم «أيديولوجية شيطانيّة» ليس لها علاقة بالظلم أو بأي من الأسباب المؤديّة الى كره المسلمين. وتلك الأفكار مبنيّة على اعتقاد أساسه التعصّب وهو لا يمكن أن يعتدل أو يُعالَج، بل يجب مقاومته». (واعتبرت بعض الصحف الباكستانيّة بشكل خاطئ أنّه يتحدّث عن الإسلام وليس عن تفكير الانتحاريين المضلّل والفاسد).

ومنذ أيام قليلة، لقي الأمير تركي الفيصل وهو السفير السعودي في لندن بعض الإعلان لقيامه بانتقاد الحكومة البريطانية بسبب عدم إحكام سيطرتها على الإسلام المتطرّفين واستقبال واعظين متعصّبين ومحتالين. وليس بالأمر المضحك أن يأتي الانتقاد على لسان أحد سفراء الدول الإسلاميّة لكنّه كان بالتأكيد على حقّ. فكان يجب أن يحدث هذا منذ عشرين عام كما اقترح العديد في ذلك الوقت لأنّ المسلمين المتطرّفين وعلى مدى عقود وجدوا الملجأ في لندن وفي مناطق بريطانيّة أخرى، كما استخدموا حريّة التعبير التي تشتهر بها بريطانيا لتشجيع الضغينة والعنف في الشوارع وعلى شبكات الإنترنت وداخل الجوامع وخارجها. وتجدر الإشارة إلى أنّ الأئمّة الذين ولدوا في الغرب وينتشر 1800 منهم من أصل 3000 في جوامع بريطانيا التي يصل عددها إلى الألف قد وجدوا أنّه من السهل الحصول على مراكز مهمّة في هذا البلد. وكان معظمهم يجهل اللغة الإنكليزية غير أنّ تبدّلات كثيرة طرأت.

وبالعودة الى صحيفة «التايمز» ورد فيها أيضاً أنّه «لا بدّ من إحكام الإجراءات وخصوصاً في «الغرف الخلفيّة» غير الشرعيّة في المساجد حيث يتعلّم الأولاد. ولا بدّ من أن يصرّ المسلمون أنفسهم على اتخاذ إجراءات تتمتّع بأهليّة».

ومن بين اكثر القادة تأثيراً في الجماعة المسلمة في المملكة المتحدة الدكتور زكي بدوي الذي يظهر بشكل كبير ويؤدّي خطباً جيّدة على شاشات التلفزة والإذاعات. وهو يشغل منصب رئيس مجلس المساجد البريطانيّة وعلى هذا الأساس استشاره كلّ من رئيس الوزراء البريطاني ورئيس أساقفة كانتربيري بشأن محاربة الإرهاب وحول العلاقات ما بين الجماعات. (وما يدعو الى الدهشة هو أنّه مُنع أخيراً من دخول الولايات المتحدة على خلفيّة أنّه اعترض على الحرب ضدّ العراق).

بذل الدكتور بدوي جاهداً لأعوام عدّة محاولات للحصول على منح من الدولة للطلاّب الذين يدرسون في ثانويّته للدين الإسلامي المنتشرة في أماكن عديدة، ويجب أن تقوم الحكومة البريطانيّة اليوم بتحقيق ذلك.

سياسي بريطاني.