الحوار ليس ساحة لعرض المواهب في الشعر والخطابة, لعرض الوجاهة, أو فرض الرأي, يجب أن ننظر إلى الحوار كجلسات عمل ينضم إليها من لديه موهبة الإصغاء والقدرة على عدم إصدار الأحكام, وإعطاء الغير الفرصة لعرض أو توضيح ما لديهم من آراء أو معتقدات, أي عند الاستماع للغير على المشارك ألا يقلل من شأن ما لا يتوافق مع آرائه, أو يكون شبه مستمع لانشغاله بتحضير الرد, أو الاستماع فقط من أجل البحث عما يمكن استخدامه ضد المتحدث, ما يجب أن يحدث هو الإصغاء من أجل الفهم, من أجل التقرب, من أجل إيجاد نقاط مشتركة تعمل كأساس واضح وقوي للانطلاق, إن استخدام أسلوب الحوار الصحيح يقرب من وجهات النظر, ويقلص من حدة التعصب، هذا إن لم يقضِ عليه, ويفعل بدلا عنه الثقة والتفاهم, كما توضح الرؤية وتحدد الأهداف وبالتالي تعتمد الاستراتيجيات, والأهم من ذلك كله خلق أرض مشتركة تشجع على الانطلاق إلى مستويات أعلى حيث الإبداع من أجل مصلحة وترابط المجتمع.

أول خطوة هي معرفة الفرق بين الأشكال المختلفة للحديث مثل الحوار والمناظرة والتشاور والمناقشة, والملاحظ أن كثيراً منا يخلطون بين مفهومي المناظرة والحوار, فهناك من يدخل هذه الجلسات معتقدا أنه الوحيد الذي يمتلك الإجابة أو الحل أو وجهة النظر الصحيحة, أو يشارك من أجل أن يبرهن أن آراء الآخرين غير صالحة, وبذلك يخرج منتصرا, لا يصغي من أجل أن يفهم بل من أجل رصد الأخطاء وتحضير الإجابة, منتقدا كل وجهة نظر لا تتفق مع معتقداته التي يعتبرها حقائق لا تقبل التغير, التقييم, أو التقويم, هذه هي سلوكيات من يستخدم أسلوب المناظرة على أنه أسلوب الحوار, فالحوار هو أن يعتقد الفرد أن ما لدى الغير من معلومات أو آراء قد يجمع ويكون رؤية جديدة أو حلاً لقضية, لذا يعتبر أن العمل الجماعي ضرورة من أجل فهم ما لدى الآخرين للتوصل إلى قاعدة مشتركة, وعليه يتم طرح المعتقدات والآراء من أجل إعادة التقييم, والحوار هو التعرف إلى ما لدى الغير من نقاط ومعلومات قد تثري أو تساهم في تصحيح ما لدى الفرد من معلومات غير صحيحة بالأصل.
الحوار يعني أيضا البحث عما لدى الغير من قيم أو نقاط منطقية تساهم في تقبلهم, إنه عملية التوصل أو اكتشاف أن هنالك عدة حلول أو اختيارات يمكن أن يتفق عليها الجميع أو الأغلبية, لهذا نجد أن الحوار هو عملية لقاء وليس تصادماً, يشارك الأفراد على أساس مبدأ المساواة, التعاطف, الصراحة, الثقة, والتوسع بالفكر لاحتواء وليس بالضرورة تقبل ما لدى الغير, أما القائمون على الحوار فعليهم مهام أساسية, بالإضافة للتنظيم والإدارة, يجب أن يتم تعريف مفردات أو المفاهيم الأساسية للقضية أو موضوع الحوار, كما تم تحديد القضية والأسلوب اللذين سيتم التعامل معهما, تقدم جامعة كولورادو تعريفاً لهذه الأطر في الدراسات التي أجرتها من أجل توضيح طرق التعامل مع قضايا الاختلاف, منها أن توضع القضية في إطار المصالح حيث تعالج على أساس المصالح بدلا من تقديم اختيارات, أو في إطار الاحتياجات حيث تعالج القضية على أساس الاحتياجات الرئيسية لجميع الفرق المعنية، فالقضاء على التوتر الناتج عن عدم تلبية هذه الاحتياجات يقلل من حدة الاختلاف وبالتالي يبدأ التفاهم. يقول دانيال يانكلوفيش إن للحوار هدفين, أن يقوي العلاقات الشخصية وأن يجد الحلول للمشاكل, فهو يصف الحوار بأنه طريق يستخدم للوصول إلى تفاهم جماعي متناغم من خلال عملية بناء علاقات ناجحة من أجل مناقشة القضايا الهامة, ولذا فمن الواجب خلق بيئة تشجيع على الصراحة وتبادل الآراء, وهذا كله يتطلب جهودا كبيرة من قبل المشاركين لأن الحوار يعتبر مهارة صعبة قليل من يمتلكها, ويستخدم الحوار أيضا من أجل دراسة وتحليل الاختيارات أو وجهات النظر المختلفة, فتبادل المعلومات بهذه الطريقة يؤدي إلى عملية اتخاذ القرارات سليمة.

نواجه اليوم قضية جديدة غير القضايا المحلية مثل الشباب, التعليم, العمل, البطالة, والفقر, إنها قضية التعامل مع شعوب الدول الأخرى خصوصا الغربية, لو أننا نظرنا إلى العالم اليوم نرى دولاً, شعوباً, عادات, لغات, قضايا مصيرية, اعتداءات, ومجاعات. في الماضي كان ما يحدث في الخارج لا يؤثر بنا بطريقة مباشرة, وما يحدث لدينا لا تشعر به أقرب الدول إلينا, ولكن بسبب تقنيات الاتصالات والمواصلات أصبح العالم اليوم واحداً, ومن أجل التعايش السلمي والمحافظة على سيادة الوطن والعمل على تنمية الثقافة والعلم والاقتصاد, أصبح من الضروري أن نفهم كيف ينظر الآخرون لأنفسهم, القضايا التي تؤثر عليهم قبل بدء الحوار معهم, والذي سيساعد على ذلك التدرب على مهارات الحوار, دراسة تاريخ العالم والأدب العالمي (العربي والغربي), لماذا الأدب؟ لأنه يساعد على ملء الفراغات التي تظهر عند دراسة التاريخ مثل معلومات عن: العلاقات الشخصية, القيم, الاتجاهات، المعلومات, فيقدم الإضافات التي تساهم في التوصل إلى فهم الغير, إنه الطريقة التي تمكن الفرد من التبصر والتعمق داخل الثقافات المختلفة بحيث يستطيع التعرف على نقاط التشابه, خصوصا في القيم العالمية, ونقاط الاختلاف, وبذلك يدخل الحوار مع الآخر من الثقافات الأخرى, قادراً على الاحتواء والتعاطف والتفهم, ولكن في نفس الوقت على مستوى موازٍ من العلم والمعرفة (هو يعرف عنا بقدر ما نعرف عنه), من أجل التوصل إلى نقاط الاتفاق التي تشكل الأرض المشتركة, ومنها تنطلق العلاقات المثمرة التي تصب في صالح الجهتين وليس في صالح جهة واحدة.

* كاتبة سعودية