عايد المناع


الحوار الطويل جدا الذي أجرته فضائية laquo;العربيةraquo; مع النائب السابق لرئيس الجمهورية العربية السورية عبد الحليم خدام كشف بما لا يدع مجالا للشك بأن العقلية العربية عقلية تسلطية وأن النفسية العربية نفسية استبدادية وأن كرسي السلطة بالنسبة لهذا النوع من العقليات والنفسيات أهم من أي مصلحة وطنية وأولى بالتطبيق من أي شعارات إصلاحية وأقدس من أي مبادىء سياسية.
من هنا نتساءل إذا كان ليس من حق كائنا من كان ان ينازع او يحرم أي سياسي أو أي مواطن آخر معني بالشأن العام حقه في ممارسة أشد عبارات الانتقاد ضد نظام الحكم في بلاده والسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والأجهزة الإدارية التابعة لهذه السلطات وذلك من منطلق حرية انتقاد الأوضاع القائمة وحرية المعارضة السياسية في تسليط الأضواء على أخطاء وعيوب وممارسات نظام الحكم وأجهزته الإدارية والأمنية في احتكار سلطة القرار ومصادرة حريات التعبير وتداول السلطة والتنظيم الحزبي والتغاضي عن ممارسة محازيبها ومحاسيبها لشهوة الإثراء غير المشروع، وارتكاب جرائم سياسية وأخرى أمنية وثالثة اقتصادية وسلسلة طويلة من جرائم أخرى أدت الى افقار أغلبية الناس وحرمانهم من حقهم في الشكوى بل وحرمانهم حتى من حق ذرف دموعهم على ما آلت إليه احوالهم.
إذ كان من حق المضطهدين ان يبحثوا عن أي نافذة تتيح لهم استنشاق الحرية ليبثوا شكاواهم ويطالبوا بحقوقهم الإنسانية التي يتشدق بها نظام الحكم ويفعل كل ما هو ضدها. واذا كان من حق المعارضين السياسيين ان يفتحوا عيونهم على عيوب نظام الحكم وأجهزته وأن يكبروا ويضخموا مساوىء وأخطاء أجهزة الحكم وأن يطرحوا أنفسهم وأحزابهم بديلا للوضع القائم فهل يحق لمن شارك مشاركة فعلية وفعالة في الحكم لمدة خمسة وثلاثين عاماً ان يتحول من مدافع ومبرر ومنفذ للسياسات والممارسات التي حدثت خلال فترة وجوده في القرب من هرم السلطة وفي موقع اتخاذ القرار هل يحق له ان يتحول الى ناقد ومعارض لتلك السياسات والممارسات؟ إذا افترضنا ان من حقه ان يمارس حريته في انتقاد السلطة التي شارك في صنعها وروّج ونظَّر لاستمرارها فهل من حقه ان يصوّر نفسه بالمصلح الذي سعى جاهداً أو قدم الدراسة تلو الأخرى والاقتراح بعد الآخر لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والسياسية والإدارية وهل من حقه ان يتحول الى أبي ذر الغفاري الذي لا يغمض له جفن اذا ما علم ان انساناً يعاني من الفقر فما بالك اذا كان نصف شعبه اي عدة ملايين يعيشون تحت خط الفقر بينما ملايين اخرى تستعين بالقمامة لتبقي على حياتها وحياة أطفالها؟
لا شك بأن الأوضاع في سورية سيئة لكن نعتقد أن السيد النائب السابق ليس الشخص المؤهل لإصلاحها، وإذا كان المثل العربي يقول لا يصلح العطار ما أفسده الدهر فكيف يصلح هذا العطار ما أفسده هو نفسه أو شارك في صنعه؟ ألم يشارك عبد الحليم خدام في السلطة محافظاً ووزيراً للاقتصاد ووزيراً معمراً للخارجية ثم نائباً لرئيس الجمهورية طوال حكم الأسدين، فلماذا لم ينتقد أخطاء وتجاوزات الحكم وأجهزته الأمنية والإدارية؟ وإذا كان ذلك يمثل خطراً على حياته فلماذا لم ينشق مبكراً؟ ويعلن أسباب تمرده أم أن الأخطاء التي تحدث عنها لم تتضح له إلا بعد ان تحول الى مجرد نائب للرئيس لم يعد يمتلك أي سلطة فعلية بما في ذلك الملف اللبناني الذي سحب منه فلماذا قبل لنفسه ان يستمر في حمل مسمى لا أهمية ولا قيمة له ام انه ايضاً لم يكتشف ذلك الا بعد ان تراءى له أنه سيتم ترحيله من منصبه ان لم يرحل طوعاً؟.
وإذا كان لم ير أخطاء النظام أو أنه رآها وسكت فهل يعقل أنه لم يشم روائح الفساد المالي وبلايين الدولارات التي استحوذ عليها من كانوا بالأمس مجرد موظفين صغار لا تتعدى رواتبهم مائتي ليرة؟ ألم يكن يعلم أن إثراء بعض المسؤولين أو أقربائهم وتفشي الفقر والبطالة في أوساط الأغلبية الساحقة من المواطنين هي أدلة كافية على فساد الأوضاع المالية والذممية؟ وسواء كان هذا الفساد بسبب الرشاوى والاستيلاء على ممتلكات الغير أو بسبب تغطية بعض المسؤولين لعمليات التهريب المحرم قانونياً وخاصة تهريب النفايات الى سورية فإن عدم تصدي الوزير ثم نائب الرئيس خدام لا يضعه في دائرة الشك في المشاركة في الفساد وإنما يؤكد تورطه بشكل مباشر أو من خلال آخرين أو أقارب مقربين جداً.
لو أن عبد الحليم خدام انتقد نفسه لقلنا هذا نقد ذاتي مهما تأخر فإنه خير من ألا يأتي، لكن عبدالحليم خدام لم يفعل غير تحميل الآخرين أخطاء وذنوب خمسة وثلاثين عاماً كان هو من أهم شخوصها، ومتخذي القرار فيها بل انه هو نفسه الذي سمح باستمرار الوضع الحالي فهو كان نائبا للرئيس حافظ الأسد فلماذا لم يعترض على توريث الحكم، وإذا كان لم يكن يستطيع فلماذا لم يخرج