مهما قيل فيها... تشكل تصريحات السيد عبد الحليم خدّام، نائب الرئيس السوري السابق، لقناة laquo;العربيةraquo; قبل أيام laquo;زلزالاًraquo; سياسياً قد لا تقل درجة قوته عن زلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري رئيس حكومة لبنان السابق. ولأن كلام خدام laquo;زلزاليraquo; شهدنا له laquo;توابعraquo; سريعة في دمشق وخارجها.
كيف ستتصرف دمشق إزاء ما حصل؟
الوقت ما زال مبكراً على الجزم، مع أن أولى المؤشرات تمثلت في الاستنكار الشرس من الإعلام ومجلس الشعب والمؤسسات الحكومية الأخرى التي تؤمن ايماناً ـ لعله مشوب بشيء من النفاق ـ بالقيادة laquo;المعصومة عن الخطأraquo;. وهذا مع العلم، أن ارتكاب الخطأ ليس جريمة... وليس هناك حاكم أو حكومة في أي مكان من العالم فوق مستوى الخطأ، لكن الجريمة الحقيقية في حق الوطن والمواطن تكمن في السكوت عن الأخطاء والتمادي فيها حتى تصبح خطايا، بل كوارث تهدد الجميع.
الجريمة عندما يكابر المخطئ، فيلجأ إلى التضليل المتعمد، واختراع الأوهام وزرعها في أذهان البسطاء، ومن ثم التلطي باستثارة الغرائز والعصبيات الضيقة ضد laquo;الآخرينraquo;.
على أي حال، سيأتي رد الفعل الجاد في العاصمة السورية بلا شك بعد laquo;هضمraquo; كلام خدام واستيعاب أبعاده ودلالاته، إذا اتيحت الفرصة لنقاش ذي معنى تحمله وسائل الإعلام الإقليمية والدولية إلى الداخل السوري.
المسألة أكبر من مجرد laquo;التخوينraquo; تسهيلاً لطي صفحة اعتراضية، والمضي قدماً في الأسلوب نفسه من العمل السياسي والخطاب السياسي. وما يلفت حقاً في جزء مما تطرق إليه نائب الرئيس السوري هو في كيفية تعامل laquo;الحرس الجديدraquo; في دمشق مع laquo;الأخطاءraquo; التي ارتكبت في لبنان... باعتراف الرئيس بشار الأسد نفسه. فالرئيس الأسد اعترف أمام الشعب بارتكاب أخطاء، لكن أحداً لم يحاسب أو يعاقب!
لماذا لم يحاسب أحد؟
أيضاً يبرز في كلام السيد خدام عنصران محوريان في صميم العلاقة القائمة بين دمشق وبيروت على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة هما laquo;التحريضraquo; وlaquo;التوريطraquo;.
سورية عندما دخلت الملعب اللبناني في النصف الثاني من عقد السبعينات دخلت كـlaquo;حكمraquo; ساحة يضبط الإيقاع ويفصل بين المتقاتلين، يعزز قدرتها على ذلك فهم قيادتها العميق للحساسيات والولاءات والعداوات القبلية والطائفية في لبنان. فبين البلدين الشقيقين، اللذين باعدت بينهما laquo;أخطاء الحكمraquo; خلال السنوات القليلة الماضية، وشائج قربى وعيش مشترك، بل وحتى تبادل سكاني، عمرها قرون من الزمن. وبالتالي، لم يكن مستغرباً أن ينجح laquo;جيلraquo; حافظ الأسد وعبد الحليم خدام وغازي كنعان في إدراك مواطن الضعف والقوة في أي علاقة سياسية تصاغ بين البلدين... مقابل فشل الغرباء كالأميركيين والفرنسيين والإسرائيليين في استيعاب تعقيدات الحالة اللبنانية وامتداداتها الاقليمية.
كان السر في نجاح laquo;الحرس القديمraquo; الدمشقي لبنانياً قدرته على إشعار كل طائفة من الطوائف اللبنانية بأنها في ضمير القيادة السورية، وكل سياسي لبناني بأنه شخصية عزيزة ومهمة تحرص دمشق على صداقتها إن لم يكن التحالف معها.
يومذاك لم تكن دمشق تقطع laquo;شعرة معاويةraquo; مع أي قيادي لا يختار هو من تلقاء نفسه عداوتها. وكانت تحترم laquo;الصديقraquo; أكثر من laquo;العميلraquo;... وتميل إلى التعاون مع الأقوياء (إذا شاءوا) أكثر من الشغف باصطناع laquo;الزعاماتraquo; وتوزير الدمى. إلا أن أبرز ميزات laquo;الحرس القديمraquo;، رغم أخطائه هو الاخر، ظلت معرفته حجم سورية... ومن ثم حسن قراءته ما يمس هذا الحجم من المتغيرات الداخلية والخارجية فيها ومن حولها، وفي الميزان الدولي ككل.
بالمختصر المفيد، كانت هناك laquo;براغماتيةraquo; ذكية متعايشة مع الخطابات المثالية الرنانة عن الثورة والقومية والاشتراكية والدور المصيري وlaquo;الرسالة الخالدةraquo;... وهلمجرا. ولعل جزءاً كبيراً من مآخذ السيد عبد الحليم خدام على حكم laquo;الحرس الجديدraquo; يتصل اتصالاً مباشراً بجانب laquo;البراغماتيةraquo; هذا.
لقد كانت سياسة المرونة والاحترام ـ ولو لفظاً ـ تتيح لدمشق أن تصوّر نفسها للبنانيين كما لو كانت على مسافة واحدة من الجميع، واستطراداً تمكنها من الإصغاء إلى الجميع بحيث تتلمس عندهم نقاط التحامل او الحقد أو الخوف أو الشعور بالظلم. إلا أن السياسة البديلة القائمة على انتقاء من تريد الإصغاء إليهم (من دون مبرر منطقي)، وتحجيم من لا يعجبون laquo;أصدقاءهاraquo; الجدد، ومعاداة حتى مَن يحرصون على علاقة احترام متبادل معها، أدت إلى إغلاق أبوابها أمام الصديق الحقيقي laquo;الذي يصدقها القولraquo;... وتركها تلك الأبواب مشرعة أمام أصحاب الأجندات الخاصة من اهل النفاق وlaquo;التحريضraquo; وlaquo;التوريطraquo;.
وبعد جرعات متراكمة من laquo;التحريضraquo; من جهة واحدة وقع laquo;التوريطraquo;، وها هي النتيجة ثلاثة قرارات دولية قد تصبح في عام 2006 عبئاً ثقيلاً على سورية... الوطن والأهل.
حمى الله سورية.
التعليقات